أوضاع بلدان الربيع العربي لن تستقر بسهولة، والشاهد ما يجري في تونس، واليمن، وليبيا، فالإستحقاق الماثل أمام ترويكا الحكم الجديدة أصعب من أن يتم حلحلته بعد عقود من الشمول والمرجعية الواحدة الوحيدة. ومن هذا المنطلق يمكن الإشارة إلى أن الحالة اليمنية، وبالرغم من المبادرة الخليجية، تبدو أكثر صعوبة وتعقيداً، لأنها لم تنبع من خيار محلي صرف، بل من رؤية إقليمية توازنية، مزاجها التوافق العسير الذي نراه ماثلاً اليوم، فيما كان لقبول فرقاء الساحة المحلية اليمنية أثر حاسم في عتبة النجاح الأولى، التي لن تكتمل إلا بالتغيير المنشود. لعل مصر أوفر حظاً في الذهاب مباشرة إلى شكل من أشكال مأسسة الدولة وفق معايير جديدة، وذلك استناداً إلى الخبرة التاريخية، وسيادة الحوْكمة المفارقة للقبلية والمناطقية والعشائرية.. أيضاً البراغماتية الذكية للقيادة السياسية الجديدة، القابلة باللعبة الديمقراطية التعددية، ومنطق القانون والنظام، وتبني مشروع تنموي تطويري، يبدو بهيجاً من الناحية النظرية، لكنه سيواجه تحديات كثيرة، أبرزها البيروقراطية المُتجهِّمة الفاسدة، والنظام الاداري والمالي المُتكلِّس، بالإضافة إلى عبء الاستحقاقات المرتبطة بالميزانية الجارية لدولة يصل سكانها إلى تسعين مليون نسمة، ولم تدر فيها بعدُ عجلة التنمية الأُفقية المطلوبة. وفيما يتعلق بالوعاء الخليجي أتصور أن يُصار إلى شكل من أشكال الإتحاد الكونفدرالي الذي قد يضم دولتين أو أكثر، ويترافق مع إصلاحات تحاصر التحديات الماثلة، وترتقي بالعمل العربي المشترك من خلال تقديم النموذج المتناسب مع ضرورات المستقبل. السيناريو الافتراضي لما بعد الربيع العربي لا يعني تحققه بالكامل، ولا يعني استناده إلى منهج برهاني رياضي جبري، بل ينبع من استقراء يأتي بمفرداته من واقع الحال، ويجتهد بحثاً عن رؤية الغائب المُتضبِّب وسط رُكام الأحداث، وتقاطع الإرادات. [email protected]