كثير من القروض والمساعدات والدعم المالي تدفقت على بلادنا منذ قيام ثورتي 26 سبتمبر و14أكتوبر ولكن أغلبها أو لنكن غير مبالغين فنقول 50 % منها كانت تذهب في أمور وأشياء لا تخدم البلاد وإنما تملأ بها جيوب المتنفذين والفاسدين وبالذات خلال ثمانينيات القرن الماضي وما بعده ، حتى جعلوا البلاد أرضا وإنسانا أشبه بجهنم ( هل امتلأت فتقول هل من مزيد ) .. وذلك بفعل الفساد والمفسدين والجشع الذي لا يشبع والطمع الذي لا يقنع ، فقد جعلوا البلاد كقربة مخروقة لا تمتلئ أبدا ولا تكتفي أو تستفيد إلا بالنزر اليسير ، وذلك ما جعل الأشقاء والأصدقاء بل وكل الهيئات والمنظمات الدولية تتقاعس وتحجب القروض والمساعدات عنا إلا فيما ندر .. فالجميع يتذكر أنه عقدت عدة لقاءات واجتماعات للدول المانحة وأصدقاء اليمن في لندن قبل سنوات وثم في الرياض ونيويورك أخيرا ، وقد تبين أن المجتمعين ليس لديهم الثقة لإعطائنا المال إلا بعد معرفة أوجه الصرف وأين ستذهب أموالهم وقروضهم ومساعداتهم وما سيتحقق من خلالها من برامج وخطط ومشاريع ، فالتجربة مريرة فهم يعرفون أن الأموال التي قدمت لبلادنا طوال عقود مضت لم يستثمر منها إلا الأقل القليل وفي احسن الأحوال ما نسبته 50 % فقط والباقي تحول إلى قصور فخمة وفلل فارهة وعمارات شاهقة ومزارع واسعة وشركات ومؤسسات خاصة .. ما عدا تلك القروض أو المساعدات التي جاءت قبل الثورة بسنوات قليلة أو بعد الثورة أيضا بسنوات قليلة ، والتي قدمت من الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي سابقا ودولة الكويت الشقيقة ، فقد أصرت تلك الدول على تنفيذ مشاريعها من خلال مكاتب خاصة بها أو الإشراف الفعلي لسفاراتها أو من خلال ممثلين عنها .. فهذه الدول كانت وأتمنى أن تستمر على ذلك النهج فلا تقدم قروضا أو مساعدات نقدية وإنما تقدمها على شكل مشاريع تخدم التنمية وتقوي البنية التحتية والخدمية للبلاد ، كما حدث في طريق الحديدةصنعاء وميناء الحديدة وعديد من المدارس والمستشفيات والطرق التي نفذت بقروض ومساعدات صينية وكويتية وسوفيتية وبإشراف مباشر من قبلها .. حتى لقد حصل وفر من تلك القروض أو المساعدات كما حدث عقب تنفيذ طريق الحديدةصنعاء قبل قيام الثورة ، فقد حدث أن ذهب وفد رفيع المستوى برئاسة رئيس الوزراء الأستاذ محسن العيني بعد سنوات قليلة من الثورة السبتمبرية إلى الصين الشعبية ، فإذا بالمسئولين الصينيين أثناء المحادثات يفاجئون الوفد اليمني بأن هناك وفراً متبقياً من جملة القرض أو المساعدة التي حددت لمد وإنشاء طريق الحديدةصنعاء قبل اندلاع ثورة سبتمبر، طالبين من الوفد كممثل للحكومة اليمنية تحديد مشاريع أو مشروع واحد يتيح للصين تنفيذه بذلك الوفر وعند ما طالب الوفد بأن يتم صرف المبلغ المحدد بالوفر نقدا اعتذر الصينيون وأصروا على تنفيذ المشاريع أو المشروع الذي سيتحدد بأنفسهم وبإشرافهم كما هي سياستهم وعادتهم. وفعلا كان الاتفاق على أن ينفذ بذلك المبلغ المتوفر مصنع الغزل والنسيج الذي تم إنشاؤه في صنعاء وأداره الصينيون لسنوات عدة وكان مصنعا ناجحا حتى استلمه بعض من لا يرحم فأوصلوه إلى ما هو عليه من دمار وخراب ، وكذلك الحال حصل مع مستشفى الثورة بتعز الذي نفذه وأنشأه الصينيون وأداروه لسنوات ، وهكذا كان حال جميع المشاريع التي تم تنفيذها بإدارة وإشراف الدول المانحة .. أما غيرها من القروض أو المساعدات أو الهبات التي سلمت نقدا للحكومات اليمنية المتعاقبة وبالذات خلال أعوام الثمانينيات من القرن الماضي وما بعدها فلم تحدث إلا الشيء اليسير مما حددت له ورصدت لأجله ، لأنها لو صرفت وذهبت في الأوجه التي حددت له في مجالات التنمية والبنية التحتية والخدمية العامة لكان لها أثر كبير وفعال في تطور البلاد وتنميتها ، ولكن ذلك قدر أراده الله علينا أن نبتلى بالفساد والمفسدين الذين ابتلعوا خيرات البلاد سواء منها ما ظهر من باطن الأرض أو في ظاهرها ، أو قدم لنا من مساعدات وقروض خارجية حتى فاقوا جهنم بجشعهم وهلعهم على جمع المال والاستحواذ عليه دون وجه حق ، فالله يعاقبنا على تقاعسنا وتأخرنا في الثورة عليهم كما ثرنا على آل حميد الدين .. ولذلك لا تلام الدول المانحة الشقيقة والصديقة إذا تحفظت على تقديم منحها وقروضها ومساعداتها أو تقاعست ، فالتجربة مريرة ولا حل لها إلا أن تتقدم دولتنا الجديدة ببرامج عملية وخطط مقنعة لمشاريع تنموية تشمل جميع البنى التنموية والخدمية تظهر وتبرز على أرض الوقع وتقدمها للدول المانحة لتقوم هي بالتنفيذ والإشراف والمتابعة بالتنسيق مع الدولة والحكومة اليمنية ، وذلك حتى نعطي لتلك الدول المانحة الثقة والاطمئنان بأن قروضها ومساعداتها وأموالها لن تذهب إلا لما حددت له ورصدت لأجله .. لا إلى جيوب المتنفذين في السلطة ، ولن تتحول إلى رفاهيات وقصور وفلل ومزارع وشركات خاصة وأرصدة خاصة تتضخم في البنوك الداخلية والخارجية ، فذلك أفضل وأجدى لنخرج من عنق الزجاجة ومن الفاقة والعوز والبطالة والاستجداء مرات أخرى من الآخرين ، خصوصا إذا استطعنا استعادة الأموال التي نهبت وهربت إلى خارج البلاد من قبل أركان النظام السابق والفاسدين والمفسدين في كل العهود السابقة ، فوضعنا لم يعد سرا على الآخرين ، فبسبب الفساد وما وصلنا إليه من وضع لا نحسد عليه صرنا مكشوفين وعارين أمام المجتمع الدولي والعربي ، ولن نعيد الثقة بنا ونعيد احترامنا لدى الآخرين إلا إذا استطعنا تجاوز المحنة التي نحن فيها ونقضي على الفساد والمفسدين.. وننهي الانفلات الأمني الحاصل ونعيد تنظيم الدولة من جديد على أسس صحيحة وسليمة لنخلق دولة مدنية تتحقق فيها وبها المساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان ، حينها أؤكد أننا لن نكون بحاجة للمساعدات والقروض الخارجية إلا للضرورات القصوى والنادرة ، وأننا سنستطيع بلا شك ولا ريب أن نحقق الاكتفاء الذاتي الذي يقينا مد اليد والشحاتة على الأبواب في المحافل الاقليمية والدولية ، ومن الله العون والسداد ..