مات والد الشافعي بعد مولد الشافعي بزمن قصير، فنشأ الشافعي يتيماً، وأصبح مصيره مرهوناً بتصرف أمه ..فإن كانت الأم عاقلة وعلى قدر من الذكاء والفطنة فإنها لاشك ستهيئ للطفل أسباب المجد والنشأة الصالحة، وإن كانت تشبه أمهات هذا الزمان، فإنها ستعرض وليدها للبؤس والشقاء والمستقبل المضطرب والانفلات لكنها من حسن حظ الإمام الشافعي وبكل جدارة كانت من الأمهات النادرات في الصلاح والفطنة وحسن الريادة في التربية، وهي بذلك استطاعت أن تهدي الأمة الإسلامية إماماً عظيماً ملأ ذكره الدنيا شذى وعطراً فاح أريجه وطار صيته حتى أسمع الأرض والسماء. تقدمت أم الشافعي ذات مرة هي وامرأة أخرى للإدلاء بشهادة أمام قاض، فأراد القاضي أن يفرق بين المرأتين، ولكن والدة الشافعي المتصفة بالحذق والذكاء والتفقه، اعترضت على القاضي قائلة: ليس لك ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:{أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}.فأسقط في يد القاضي وانصاع لقولها. (ابن حجر: نقلاً عن مصطفى الشكعة: الأئمة الأربعة) هذه الأم في الأساس لم تكن متبرجة فتشغل الناس بوجهها أو جسمها فينشغلون عن علمها وقدرتها الفقهية ولم يكن رأسها مكشوفاً للشمس فيتعرض مخها وتفكيرها للميوعة أو العطب، كانت امرأة كاملة بدون مكياج أو تبرج، لذلك لم يكن من شأنها ولا يتوقع منها سوى أن تحسن في الشهادة وتحسن في رعاية وليدها. وتسهر على تنشئته تنشئة صالحة، وتختار له الطريق القويم..وكان من ذلك أنها ارتحلت به حين بلغ عامين من عمره من غزةمسقط رأس الشافعي إلى مكة، حيث العلم والفضل، وحيث البادية ليقوَّم لسان الغلام وتصح لغته، وكان الشافعي هو ثمرة جهود تلك المرأة الفاضلة. وهكذا وعلى طول الطريق كان دور الأم في تنشئة العلماء...من أجل النهوض بالأمة والعمل على تقدمها، ونفع المسلمين ورفعتهم كان بيت المرأة هو مملكتها، وهو منطلقها الحيوي والحقيقي نحو أي إصلاح أو تغيير. وجاءت الثقافة الغربية تحرض على الفساد وتعين على الإفساد، فالبيت سجن والزوج سجان والأولاد عبء مكانهم الشارع والأم مكانها حلبة الصراع والمنافسة.