الملاحظ ان دولة رئيس مجلس الوزراء يبذل قصارى جهده من اجل طمأنة المستثمرين ودعوتهم الى الاستثمار في اليمن ، لكن الحقيقة ان سمعة بيئة اليمن الاستثمارية قد وصلت الى الحضيض خلال العشرة اعوام الماضية،وعليه فإن أي جهد رسمي او شعبي لن تكون له أي جدوى مالم يتم ادخال تحسينات طارئة على البيئة الاستثمارية بشكل ملموس ويكون اكثر عملية،ولا نجد فيما هو حولنا مما يمكن ان نبدأ من خلاله تحسين بيئتنا الاستثمارية سوى القضاء. فالقضاء اليمني عموما بأوضاعه الحالية يعد من العوامل الطاردة للاستثمار والقضاء التجاري على وجه الخصوص غير قادر على حماية حقوق المستثمرين وأحكامه غير قابلة للتنفيذ خصوصا اذا كان الخصم جهة رسمية أو صاحب نفوذ . واغلب المستثمرين الذين وقعوا في اشكاليات قانونية خلال الاعوام الماضية كان خصومهم جهات رسمية وأشخاص نافذون وللاسف الشديد توقفت مشاريعهم عند مرحلة التأسيس وبعضهم تكبد خسائر فادحة وتحول جميعهم من مستثمرين إلى مشارعين طرقوا ابواب القضاء والنيابات وعملوا بالتحكيم ولم يتمكن احدهم من استعادة حقوقه ،لأن احكام القضاء لاتنفذ والقانون اليمني لايمتلك سلطة تنفيذية . ولكي نشجع المستثمرين على القدوم إلى اليمن لاقامة مشاريع استثمارية ذات جدوى اقتصادية عالية ،لابد ان نوفر لهم قضاء فاعلا ومستقلا ومؤهلا للتعامل مع القضايا التجارية والاستثمارية بما يتوافق مع المتغيرات الاقليمية والدولية وبما يخدم مصلحة الاقتصاد اليمني ويقلل من احتمالية عزلته ،ولأن اصلاح القضاء يسير ببطء ،فلماذا لانفكر بالاستعانة بقضاة دوليين ننشئ لهم محاكم دولية في كل من صنعاء ، عدن ، حضرموت على اقل تقدير، تختص هذه المحاكم بقضايا الاستثمار وتمنح كافة الصلاحيات القضائية التي تمكنها من الفصل في الخصومات وتنفيذ الاحكام الصادرة عنها وقد يتطلب هذا الامر توفير قوات أمن تقوم بإجراءات الضبط القضائي ومهمة تنفيذ احكام القضاء. قد تبدو الفكرة عصية الفهم إلى حد ما لكنها مجدية ،اذا توفرت القناعة الجادة والصادقة في اهمية الاستثمار وضرورة جلب الرساميل الخارجية . فالشائع اقليميا ودوليا عن بيئة الاستثمار في اليمن هو عدم فاعلية القضاء وانعدام سيادة القانون والتلاعب بملكية الأرض وعدم استقرار اسعارها ، ناهيك عن اوضاع البنى التحتية وواقع الخدمات المصرفية وغيرها من نواقص البيئة الجاذبة للاستثمار ،لكن هذه العوامل يمكن اصلاحها تلقائيا اذا وجد قضاء قادر على حماية المستثمرين من شريعة النهب وسلطة الابتزاز ، وبدون وجود قضاء لايمكن نجاح الاستثمار في اليمن ، خصوصا وان قضايا المستثمرين خلال الاعوام الماضية قد اشتهرت وصارت هي المقياس الحقيقي لعوامل البيئة الاستثمارية في اليمن . ومن المؤسف ان كل الموشرات على هذا المقياس سلبية جدا وهي موشرات حقيقية ومن اهم الامثلة التي تحضرني بهذا الخصوص ما تعرضت له شركة خط الصحراء ورئيس مجلس ادارتها رجل الاعمال العماني من اصل يمني الشيخ احمد بن فريد الصريمة الذي تعرض لعملية تنكيل متعمدة دفعته إلى اللجوء للتحكيم الدولي مطالبا الحكومة اليمنية بخسائر تصل إلى 55 مليار ريال، بالرغم ان لجنة تحكيم محلية كانت قد اصدرت قراراً يقضي بإلزام الجانب الحكومي دفع 9 مليارات ريال للصريمة تعويضا للشركة الا ان رفض الجانب الحكومي وتماديه بمواصلة اجراءات التنكيل ضاعفت خسائره بسبب حجز معداته بدون وجه حق في محافظة المهرة وتم التصرف بحساباته البنكية في سابقة لم تحدث في أي بلد في العالم . وتسببت الإجراءات الوزارية والادارية الفاسدة في تخسير اليمن مبلغ خمسة وعشرين مليون دولار قضت بها محكمة دولية تابعة للبنك الدولي في باريس، صدر الحكم بتاريخ 6/2/2008 ، تعويضا لشركة خط الصحراء. مستثمر آخر في مجال المقاولات انقضى على تاريخ رفعه للدعوى امام المحكمة التجارية اكثر من عامين وحتى يومنا هذا لم تتمكن المحكمة من احضار الخصم المتمثل في جهة رسمية، ايضا المستثمرة البريطانية من اصول يمنية اروى الهمداني التي تحولت قضيتها إلى رأي عام مضى عليها اكثر من عشرة اعوام في المحاكم ولم تتمكن من استعادة ارضيتها في محافظة عدن مع ان لديها احكاماً قضائية وتوجيهات صريحة من رئيس الجمهورية السابق ورئيس حكومته ولكن دون جدوى لأن خصمها أشخاص نافذون ، وعلى نفس المنوال عانت جامعة العلوم التطبيقية من محنة قرار اداري اصرت وزارة التعليم العالي على تنفيذه في السابق على الرغم من وجود أحكام قضائية تؤكد بطلان القرار ومخالفته للدستور والقوانين النافذة في البلد . وفي نفس السياق اعلن المستثمر علي صالح اليافعي افلاسه بسبب تعرض مصنعه لإنتاج المواد الحديدية في حزيز جنوبصنعاء للسطو المسلح ونهب معداته في وضح النهار من قبل شخص نافذ جدا ،اليافعي فقد المصنع ويحتفظ بأحكام قضائية وتوجيهات من النوع سالف الذكر ومصنعه مازال خاضعاً لسيطرة ذلك النافذ حتى اليوم. كل هذه الامثلة والنماذج المأساوية كفيلة بإقامة حائط فولاذي أمام المستثمرين القادمين إلى اليمن، ناهيكم عن قضايا الشركات الاخرى التي نظرت امام التحكيم الدولي في كل من واشنطن وباريس ولندن ومنها شركة هنت التي طالبت الجانب الحكومي بمبلغ بليون دولار موازنة اليمن لمدة عامين وبالتأكيد كان الحكم لصالح الشركة ، لكن بمبلغ اقل لأن الجانب الحكومي تعمد مخالفة العقد المبرم مع الشركة . ونفس المشكلة حدثت مع شركة يمن فست بعدن والتي حصلت على تعويض يصل الى خمسة واربعين مليون دولار بحكم قضائي دولي ،كل هذا الهدر للمال العام والمحاكم اليمنية لم تقدم أي مسؤول رسمي للمحاكمة أو تحكم عليه . ألا تكفي هذه القضايا لإقناعنا بإعادة حساباتنا في إدخال تحسينات قضائية جديدة على بئيتنا الاستثمارية تتثمل في توفير نظام قضائي وان كان خارجيا يحد من سلطة العابثين واصحاب النفوذ ويساعدنا على اصلاح اوضاعنا وحمايتنا من الجهل والقصور الكامن في اعماقنا . [email protected]