الحديث عن خصائص النظام الديمقراطي في الإمبراطورية اليمنية القديمة حديث عن معاني ودلالات الحياة السياسية القائمة على المشاركة الشعبية التي استطاع اليمنيون من خلالها بناء الحضارة الإنسانية الخالدة. فالديمقراطية في تاريخ الفكر السياسي اليمني قديمه ومعاصره كانت تبحث عن نظام حكم سياسي يعتمد على إرادة الشعب، ويتمتع في ظله الأفراد بالحقوق والحريات، وتتحقق فيه المساواة، وتصان فيه كرامة الإنسان، وتضمن حق الحياة الآمنة والمستقرة للفرد والجماعة، وتبنى فيه الدولة المركزية القادرة والمقتدرة المجسدة للوحدة الوطنية التي تذوب في ظلها مختلف الولاءات الضيقة، ويكون الولاء فيه لليمن. إن الديمقراطية الشوروية التي انتهجها اليمنيون منذ فجر التاريخ الإنساني كانت البداية التي استطاع من خلالها اليمنيون الدخول إلى عالم الإنسانية، وأسسوا حضارة مازالت معالمها مشرقة حتى اليوم؛ لأن فترات بناء الدولة اليمنية التي مرت بها اليمن منذ الدولة المعينية والسبئية والحميرية كانت العلامة الفارقة في تاريخ الحياة السياسية اليمنية التي قدمت برهاناً عملياً على أن الحياة الأكثر تطوراً وازدهاراً وعطاءً لا تتحقق إلا في ظل وحدة الأرض والدولة والإنسان؛ لأن التوحد يمكن الدولة من الاستفادة المطلقة من كل مقومات القوة من أجل البناء والإعمار وترك البصمة الحضارية المخلدة للدولة. إن الإصرار المطلق على مبدأ المشاركة السياسية صورة من صور التحضر التي عرفها تاريخ الفكر السياسي اليمني، وهي التي مكنت اليمنيين من رسم معالم مستقبلهم الحضاري والإنساني الذي اشتهر في تاريخ الإنسانية. ولذلك فإن اليمن محط أنظار العالم ليس من فترة قصيرة ولكن منذ فجر التاريخ الإنساني؛ لأنه نقطة انطلاق الحضارة الإنسانية التي تركت أثراً في كل مكان وصلت إليه في العالم. ولئن كانت اليمن قد شهدت فترات صراع وعدم استقرار فإن ذلك طارئ وليس دائماً؛ لأن إيمان اليمنيين وحكمتهم مانع من موانع التشظي والانقسام. ولذلك فإن المؤشرات المستقبلية تؤكد إصرار أبناء اليمن على التوحد والاعتماد على الإرادة الشعبية في نظام الحكم؛ من أجل الحفاظ على مبدأ التداول السلمي للسلطة وصون المشاركة السياسية. ونحن على بوابة الحوار الوطني الذي سيقدم عليه اليمنيون نجدد الدعوة لكل القوى السياسية بأن تقدم على الحوار وتضع له مكانة في تاريخ الدولة اليمنية الواحدة والموحدة، ولا يفر من الحوار إلا مارق تمرد على الإرادة الكلية للشعب، ومثل هؤلاء لا قبول لهم على تراب الوطن؛ لأن الوطن طاهر لا يقبل بالدنس بإذن الله.