نقدر اعتزاز شعب مصر العظيم وافتخاره بأبنائه من بناة تلك الاهرامات الشامخة ومن شقوا بسواعدهم الفتية ذلك الممر البحري الطويل المتمثل بقناة السويس ، لتصل بالبحرين الأحمر والأبيض المتوسط، ليكون ذلك الممر همزة وصل بارزة للتواصل بين شعوب العالم، وعدة قارات لتقارب الأمم والشعوب والتفاهم فيما يهم ويخص مصالح الشعوب المختلفة.. ولردم كافة المشكلات والمعوقات الحائلة بين تفاهمهم والاستفادة من تجاربهم المختلفة.. بقدر كل ذلك وخلافه من الإنجازات لشعب مصر وفخره، فإنهم كانوا وما زالوا وسيبقوا يفخرون ويعتزون بقضائهم وقضاتهم الأجلاء فعلى مراحل التاريخ المختلفة والعديد من مراقبي العالم يرددون إعجابهم وتقديرهم الكبيرين بقضاء مصر وقضاتهم العدول.. وبهذا الصدد الخاص بالقضاء فإن مراقبي العمل عند الحديث عن القضاء فإنهم يردفون تقديرهم لكل من القضاء البريطاني والهندي وكذا المصري. وتجدر الإشارة هنا إلى أن القضاء المصري به العديد من علماء الفقه القانوني والقضائي، الذين أسسوا لقضاء راسخ متين في وقت مبكر من القرن العشرين وعلى رأسهم ذلك العالم القانوني الكبير رحمة الله عليه (السنهوري) وأمثاله الكثير من علماء مصر الكبار الذين حظيو بالابتعاث ضمن بعثات دراسية إلى أوروبا للدراسة بكبرى الجامعات ونهلوا من منابع العلم بالعالم.. وكان ذلك إبان نهضة محمد علي باشا من القرن المنصرم ، لذلك بات القضاء المصري يزخر بكم هائل من التجارب والخبرات المتراكمة والقائمة على العالم وعلوم الدنيا وأديان العالم قاطبة ولذلك والعالم يسمع ويعلم ويتابع منذ سنوات في عهود منصرمة عن العديد من الوزراء والوجهاء وأبناء الذوات في مصر وأصحاب النفوذ ممن كانوا يمثلون أمام المحاكم المصرية بتهم شتى وأمور وقضايا مختلفة فكانت المحاكم تنظر في قضاياهم مهما كانت مراكزهم الاجتماعية والسياسية فتصدر فيهم وبهم حكمها وعقابها العادل دون رهبة أو رجفة بحق أولئك الوجهاء وأصحاب المقامات الرفيعة العالية، دون أن تخشى بذلك لومة لائم وهناك الكثير والكثير من القضايا والأمور التي لا يتسع المجال لذكرها، ولكن اليوم عندما اعتمد الرئيس المصري محمد مرسي على عدد من المستشارين الذين ولائهم للحزب دون فهمهم لقوانين مصر وللتشريعات الهائلة بجزء من القضاء المصري التي توازي أهرامات (الجيزة) وتأثرهم ربما بذلك الشعار: «الإسلام هو الحل» ...حدث هذا الإرباك والتخبط للمستشارين الأجلاء وهنا تكمن مشكلة الولاءات الحزبية بهذا العالم الثالث أو النائم عندما نخلط أمور الدنيا بأمور الدين، وهذه ليست المرة الأولى ونأمل أن تكون الأخيرة.. إن حالة الإرباك هذه ليست محصورة على مصر وحسب وإنما هي منتشرة بكافة الدول والأقطار التي شملها الربيع العربي والمؤسف والمحزن أن المرء عندما يحضر أية مظاهرة أو مسيرة أو وقفة احتجاج تجاه أية قضية أو موضوع فإنه يستمع إلى العديد ممن يردد شعارات الدولة المدنية الحديثة، ودولة النظام والقانون إلى آخر موضة الشعارات التي باتت عند الكثيرين عبارة عن كلام بدون مضمون صادق إنني أختتم موضوعي المتواضع هذا بالقول : إن قيام أية دولة مدنية حديثة لا يمكن أن تقوم أو يستقيم لها كيان بدون قضاء مثل قضاء مصر، فإذا كان هذا الاحتيال واللف والدوران من قبل مثل هذه الجماعات والالتفاف على صلب وقلب دولة النظام والقانون المنشودة، وفي بلد كمصر الرائدة التي بها المئات من فطاحل العلماء لمختلف التخصصات المعنية بدولة النظام والقانون، فكيف سيكون الأمر والمآل بدول وشعوب ما يزال قضاؤها وقضاتها في مرحلة التدرب والاستيعاب لقوانين وتشريعات دولة النظام والقانون؟ إننا نأمل من كل قلوبنا أن لا تكون تلك الشعارات والهتافات بالمظاهرات التي كانت وماتزال تخرج لتلك الأحزاب سواءً قبل ثورات هذا الربيع أو بعده أن لا تكون مجرد ضحك على الدقون أو تكتيكات للوصول إلى أهداف أنانية لتلك الجماعات، إننا نأمل من كل جوارحنا أن لا تكون تلك العبارات التي نرددها بالمناسبات المختلفة وتوجه الموجه.. وعلى قادة تلك الأحزاب إعادة النظر في توعيتهم لأعضائهم واستحداث برامج ثقافية حديثة تتفق وتنسجم ومرتكزات الدولة الديمقراطية القائمة على المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وإذا كان هذا هو مستوى الفهم لدى هذه الجماعات في مصر فكيف يا ترى ستكون نتاج اللجنة التأسيسية المكلفة بصياغة الدستور المنتظر ؟؟ إذا كان معظم هذه الجماعات يفكرون بهذه الطريقة ويفهمون مرتكزات ومقومات دولة النظام والقانون على هذا النحو ؟؟. إن الدولة المدنية الحديثة تختلف يا أعزائي شكلاً ومضموناً عن الدول والأنظمة التقليدية والمسألة ليست هتافات أو شعارات تردد بالمظاهرات والمناسبات.