مرة احتد غضبي على محاسب في مطعم، أتذكرها تلك بالذات؛ لأن غضبي احتد إلى درجة شعرت بهواء يتخلل تجويفي الصدري، انقطع صوتي، وحين عدت إلى البيت بدوت مرهقاً بشدة. راجعت ما حدث، واكتشفت بعد هدوئي كم كانت الكلمة التي قالها لي الرجل تافهة، والرجل تافهاً لا يستحق كل ذاك الغضب، وظل صدري يؤلمني لثلاثة أيام.. كأن النصائح الشفهية وحدها لا تكفينا ونفضل تجريب صحتها. أعدت المشهد ثانية لكن في خيالي، من حيث تلفظ الرجل بكلمته التافهة، ماذا لو كنت كتمت غضبي، وكنت كألّم أسمع ما قال، ربما غضبت قليلاً لعدم ردي عليه، لكن حادثاً عابراً بعدها سوف ينسيني ما قاله، ولن أستمر بوجع صدري لثلاثة أيام، وستكون حكاية عادية أرددها وأنا أقول: لقد صمت لو رددت على كل إنسان فلن أنتهي من الردود والغضب. كان آخر ما أعرفه عن الغضب علمياً هو أن كبته يسبب آلام المعدة والمفاصل؛ لأن تفاعلاته تعود على الداخل، بينما التنفيس عنه يريحك، لكن أبحاثاً جديدة أثبتت العكس، قرأتها مؤخراً وتحدث بها الطبيب النفسي البروفيسور مصطفى العبسي لعدد من المراكز الطبية العالمية في مقابلة أجريتها معه ونشرت في صحيفة (الجمهورية) السبت الماضي، وفي تعليق على المقابلة قال أحدهم: عالم النفس العبسي ليس أول من اكتشف أن الغضب سبب رئيس في أمراض القلب والذبحة الصدرية وربما الموت، فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديثه لأحدهم: لا تغضب ورددها مراراً لا تغضب لا تغضب. ويبدو لي أن اليمنيين بحاجة إلى أبحاث عن حالة من الغضب تصيبهم وإيجاد حلول ليتخلصوا منها، ويمكننا الاستدلال على ذلك ب «حالات الثأر المتزايدة والصراعات المسلحة المستمرة»، فالغضب حالة يغيب معها العقل فيندم الإنسان فيما بعد، إن عملية كبت الغضب بحاجة إلى تدريب مستمر إلى تغيير في التفكير وتفسيرنا لتصرفات الآخرين وترشيد ردات فعلنا تجاه الآخر. وحيثما غاب القانون اشتد الغضب والندم، وزادت معه علاَّت الناس في تلك البلاد كما هو عندنا، فلا ضابط لحقوقهم، فصاحب الدباب والتاكسي يستفزانك، والمؤجر - إلا من رحم ربي - يستغلك، والموظف يعرقلك، والمحكمة تتلاعب بأوراقك، وفنيو الأدوات الكهربائية يغشونك، ومصلح الساعات يعيد الساعة مخربة، وميكانيكي السيارات لا يفقه شيئاً، ومدخن السيجارة في المواصلات العامة لا يراعي مشاعرك، ووو إلخ، يتحول الناس إلى عدوانيين للدفاع عن أنفسهم مع عموم انعدام الثقة، وفي هذه الحالة القادر على ضبط أعصابه هو الشديد، فالرسول الكريم يقول: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب» ، فلا تغضب إلى أن يقطع المسؤولون مشواراً لتخفيف الضغوط على هذا الشعب باستعادة ثقته وإعمال القانون. تهنئة: كل يوبيل ذهبي و(الجمهورية) وقراؤها بخير. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=455100117862402&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater