إن التغيير يعني بالنسبة لنا انبعاث المثل العليا والقيم الروحية الثورية التي كادت وسط التغلبات السياسية والاضطرابات الوطنية أن تفقد مغزاها الوطني والانساني، وتصبح هيكلاً لا روح له ولا حركة، وفي ظني ان دورات العنف والاضطرابات والقلاقل السياسية والاقتصادية التي تناوبت على الوطن، كانت من أخطر المعوقات التي اجتاحت عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومثلت فجوات في مفاصل النظام الوطني، تسللت منها تلك العناصر الفاسدة، التي تجسد الآن اسوأ صور التخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وأمام مثل هذا الوضع لابد أن تكون نتيجة التغيير، هي إشاعة جو الحرية بهدف انعتاق الوعي الاجتماعي المحقون بخدر الاسحار الشيطانية لعبادة التفكير الاحادي الذي كبل عقولنا بمفاهيم جامدة وجعلنا سنوات طويلة ننظر الى هذه المفاهيم بعبودية تامة، بينما نجعل الموقف منها وسيلة للتحقق من الولاء السياسي والوطني ..! مثل هذا الوضع الصعب والمليء بالتراكمات يتطلب ضمن إشاعة الحرية الروحية قبل كل شيء إحياء العقيدة الثورية النقدية، وهذه العقيدة هي التي نريد لها الحياة، لا يمكن ان تقوم إلا على اساس استقلال شامل للفكر والروح، يفضي بطبيعة الحال إلى تعدد الافكار والآراء والمواقف وتنوعها طبقاً لتنوع المصالح، على أن هامش الديمقراطية الذي سمح بالتعددية الحزبية وحرية الرأي والرأي الآخر ، الذي نعيشه في الوقت الحاضر بعد اندلاع الثورة السلمية الشبابية، لا يعني نهاية المطاف او ذروة الغرض ، بل إن هذا الهامش نفسه سيفقد مغزاه بدون إتاحة الفرصة لكل فئة اجتماعية التعبير عن مصالحها وإرادتها، وفي اعطائها فرصة مناسبة في البيئة السياسية للمجتمع اليمني ضمن القواعد والضمانات الدستورية. فليس الغرض من التعددية وحرية الرأي الظهور المصطنع للمعارضة المعترف بها رسمياً، ولا الغرض هو التسابق في تعدد مسميات الاحزاب وتبنيها ضمن اللعبة الساسية ، بل الغرض هو حرية التعبير عن آراء هذه الفئات أو تلك والدفاع عن مصالحها وتوفير الضمانات الحقوقية والسياسية لها. وفي هذا المضمار لابد من التأكيد على حرية الصحافة ودورها الحيوي في صياغة هذا المناخ السياسي الجديد والمستقر وعلى الصحافة أن تؤدي رسالتها الوطنية بعيداً عن اشكال المزايدات والنفاق والتزلف والابتزاز، بل إن عليها ان تفرد جناحيها جناحاً للشعب وجناحاً آخر للنظام الوطني على حد سواء بأن تكون كما يقول احد المفكرين: "ذا دماغ لمواطن الدولة، وذا قلب مدني، بأن تلهم الحكومة رؤية مواطن سلبياتها وضعفها وتهديها إلى طريق التصحيح ، وتعينها على النهوض من قمقم التوهان والتمادي في مغالطة النفس وخداع الآخرين". إن الحكومة تسمع صوتها هي فقط ، وهي تعلم أنها تسمع صوتها فقط ومع ذلك فهي تتمسك بخداع النفس، وكأنها تسمع صوت الشعب وتطلب أيضاً من الشعب أن يؤيد خداع النفس هذا. أما الشعب، من جهته ، فهو إما يقع جزئياً في الوسواس السياسي وجزئياً في عدم الثقة السياسية .. وإما يتحول، وقد ارتد تماماً عن حياة الدولة، إلى جمهور من البشر يحيون حياة خاصة بهم فقط .. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=461134510592296&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater