كانت ياسمين جميلة كبستان، هادئة كظل نخلة، رائعة كالطفولة، باسمة كالفجر، واضحة كالضحى، طاهرة كالمطر، قوية كالحق، شامخة كشجرة صنوبر، راسخة كثورة شعب، ترى وجوه القتلة فتصرخ كبركان، فجاءت حادثة دار الرئاسة، وعاد «علي» من الرياض يضرب بلا هوادة، دون أن يقول لضحيته: أنا هنا، الخيل والليل والبيداء...، بل يقتنصه كصيادٍ جبان، وهو يردد: الخوف والذعر والأصوات تفزعني. عاد من الرياض يلبس نظارة طبية سميكة، تمكنه من رؤية الضحية واضحاً، ويخفي يديه، حتى لا يترك أثراً أو بصمة فوق الزناد. قناصة القوات الخاصة الذين أرسلهم علي صالح إلى تعز – منبع الثورة السلمية، ورمز شموخها – تمكنت من حصد أرواح كثير من شباب الثورة، ولم تفلح في نزع إرادة أيّ منهم، والقاتل المأجور الذي اختبأ كذئب، أفزعه صوت ياسمين الغاضب، فنصب قناصته ليرى وجهها، فوجده ممتلئاً بالغضب الهادر، غضب يتجه نحو قاتله كنار تتسارع في الهشيم، فأوجز في قتلها، لكنها لم تمت، بل تحولت من غصن في شجرة الثورة، إلى جذر يزيد هذه الشجرة تماسكاً ونماء. ولو تريث القاتل المأجور ورأى قلب ياسمين؛ لوجده ممتلئاً بالحب والسلام والخير، والأمل بغدٍ أفضل، فعندما تصرخ ياسمين: «ارحل»، هي لا تبحث عن مستقبل أفضل لنفسها فقط، بل تحلم بمستقبل أجمل يعيش فيه أطفال قاتلها، مستقبل لا تكون فيه ثروات البلاد حكراً على العائلة الحاكمة، ولا الإعلام الرسمي خاصاً بمنجزات «الفندم» الوهمية، مستقبل لا يرتص فيه أطفال المدارس وسط الشارع العام، ينتظرون مرور موكب «الفندم»، وحين يمر فخامته تتقدمه أجهزة الكشف المبكر عن المتفجرات، وراجمات الصواريخ، ورشاشات عيار 23، ثم يأتي دور بيادات القوات الخاصة تتقاذف رؤوس الأطفال، إذا فكروا بالاقتراب من «سيدهم الأعلى»، فالرئيس الذي يتعطل لأجل مروره يوم دراسي كامل، هو ذاته الرئيس الذي رفع شعار «جمعة: اقرأ باسم ربك الذي خلق»!!. أجدني ملزماً باستعارة طريقة محمود درويش في التفكير: لو تمهل قاتل ياسمين، وفكر أنها فتاة ستتزوج غداً، وربما تنجب ولداً، وربما يبتسم الولد ذات يوم لابنة القاتل، ويصنعان معاً الحب والسلام. أغصان الزيتون التي عاد بها من الرياض، لم تكن سوى قناصات كاتمة الصوت، أثبتت كفاءتها الجمعة 11 نوفمبر من العام الماضي، فقد مرت طلقات كثيرة عبر رؤوس المصلين في ساحة الحرية بتعز، سقط الكثير منهم بين شهيد وجريح، ثم عاد قناصة الحرس الخاص - المتدربون جيداً بخبرات أمريكية - وبدأوا باصطياد حرائر تعز. لم يكن اسم ياسمين سعيد الأصبحي بين المتهمين باستهداف الرئيس السابق في جامع الرئاسة، لكنهم قرروا تفجير رأسها؛ لأنها رفعته أكثر مما يجب، بل إنها تمنت أن يكون عرسها في ساحة الحرية، يحضره جمع من الشرفاء الأحرار، ورفيقات ياسمين في الإسعافات الأولية داخل الساحة، كن كذلك، ينتظرن يوماً مشهوداً، يجدن فيه الحرية أو الموت دونها. فالممرضة المتطوعة زينب العديني لم تكن مطلوبة لأمريكا بتهمة الإرهاب، لذا كانت تأخذ أريحيتها في المكان، وعادة ما تجلس أمام فندق «المجيدي» وسط الساحة، تحرر العلم الوطني، وتعيد غزله شالاً لعيدها القادم، حالة تستدعي صوت درويش في جداريته: وعلميني الشعر/ من غزلت قميص الصوف وانتظرت أمام الباب/ أولى بالحديث عن المدى/ وبخيبة الأمل/ المحارب لم يعد/ أو لن يعود/ فلست أنت من انتظرت. غير أن قناصة «الشرعية الدستورية» كان في شريعتهم رأي آخر، فاصطادوا قلب زينب، وتفاحة العنتري، وسمية، كما فعلوها من قبل مع عزيزة وجميلة وإيمان، وكما فعلها النظام السابق من قبل مع أبناء المحافظات الجنوبية في سنوات الحراك، وقبلها في حرب 1994، وما تلاها من ممارسات تعسفية وإقصاء وتهميش ومصادرة، دون أن ينسى في كل مناسبة التأكيد بأن «الوحدة عمدت بالدم»، ولا يعمد بالدم إلا الدمار والخراب والموت الجماعي، أما الوحدة فقد عمدت بالحوار والديمقراطية، وإرادة الله، ثم إرادة الشعب اليمني. ودماؤنا التي سالت – بالتأكيد - ستروي ثورتنا، وتزيد تماسك الأرض تحت أقدامنا. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=463647730340974&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater