مجدداً نتوقف مع الفنان الإسباني المثير للجدل سلفادور دالي والذي اشتهر بكونه أبرز فنان سريالي اعتمد نظريات فرويد النفسية، وتنكب مشقة المسايرة للأحلام ، باحثاً عن ميتا فيزيكا من نوع جديد . وهنا لابد من الإشارة إلى أن دالي الوجودي السريالي توهم أنه غادر إبحارات فناني عصر النهضة الأوروبية أمثال دافنشي ورافائيل ومايكل أنجلو، الذين أقاموا صروحهم الفنية العتيدة من خلال تصوير قصص وأساطير العهدين القديم والجديد لكتاب المسيحية المقدس ، مع بعض الانزياحات صوب الميثولوجيا اليونانية ، وكانوا بهذا المعنى يمثلون الوجه الفني للفكر الديني المسيحي المغروس في أساس وتضاعيف الميتافيزيكا، مع حضور مطلق الصلاحية في التجسيم والتشبيه. سلفادور الذي توهم وأقرانه أنهم قد انعتقوا من الماورائيات المسيحية، وقعوا في ذات المصيدة ، فبدلاً من استدعاء الماورائيات الجاهزة في أسفار الكتب الدينية، لهثوا وراء الغيوب النابعة من تضاعيف الأحلام والتباساتها المتعبة، حتى أن إنتاج السريالية الفنية السلفادورية بدت في أفق ما محايثة لألوان فنون عصر النهضة، فيما انبرت لمناجزة الترجمان البصري لعوالم الأحلام والمنامات كما لو أننا أمام ابن سيرين والنابلسي في مقارباتهم التفسيرية لعوالم المنامات، مع فارق جوهري يكمن في محدودية أدوات التفسير لدى الفنان التشكيلي قياساً بعالم الألسنيات العربسلامية . عند سلفادور وأقرانه نقف أمام جهاز مفاهيمي أوروبي لا خلاص له من الماضي ، فيما يتشظى حيرة وقلقاً تجاه الوجود الاجتماعي الماثل، حيث تتموضع المرأة في المشهد البؤري الحاسم لهذا الوجود . دالي أخفق في التخلي الإجرائي عما ورائيات الأقدمين ، كما أنه عمر مرئياته الخاصة تأسياً بعلماء النفس والجدل الفلسفي المادي ، وعندما أراد تصوير المرأة ضمن تلك القوالب مادت قدماه وألوانه، لنرى صورة الأنثى المقيمة في زمن الخلفية الواقعية المشخصنة بقوة الحضور الوجودي المفارق لماورائيات السريالي الذي توهم أنه انعتق من الماضي الفني والفلسفي . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=463648283674252&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater