تبث القنوات الفضائية العربية والدولية حرب غزة مباشرة على مدار الساعة ويقف العرب والمسلمون أمام تلك القنوات ليتابعوا أولاً بأول صور القتل والخراب وكأنهم يتابعون حدثاً عادياً لا تخالطه الدماء والأشلاء والرعب الذي يطال سكان غزة من أطفال ونساء وشيوخ، وكل ما قد صدر من مواقف وردود أفعال لا يتعدى حدود إسقاط الواجب ومن أجل تفادي الإحراج. هذا البرود في التعاطي مع المشهد غير مبرر من الناحية الإنسانية والأخلاقية ولا أدري إن كان لابد من مجازر كبرى وقتل جماعي لسكان غزة لكي تبدأ سخونة المواقف، وفي كل الأحوال ستحدث المجازر ويتعاظم الدمار مالم تتوقف هذه الحرب، ولكن صمت العرب والمسلمين والمجتمع الدولي هو من سيشجع إسرائيل على فعل ذلك. أخشى أن يكون هذا الوضع هو اعتياد على مشاهد القتل والحرب وتصالح مع لون الدماء وتناثر الأشلاء اكتسبه العرب والمسلمون مع تكرار العدوان عليهم وعلى أهل غزة على وجه الخصوص، ومن خلال حروبهم الأهلية التي تزايدت في الآونة الأخيرة في صراعهم على السلطة والحكم. سوف يواجه المسلمون صعوبة كبرية هذه المرة في انتقاد همجية إسرائيل في حربها على غزة وقتلها الأبرياء من الناس نظراً لما حدث ويحدث في بعض الدول العربية والإسلامية من حروب وصراعات دموية مسلحة دارت رحاها داخل المدن والأحياء السكنية وبصورة وحشية في كثير من الأحيان، وما تخللها من انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية والإنسانية من قبل كل أطراف الصراع. ومن ناحية أخرى سوف تكون مواقف الأنظمة الحاكمة أكثر تردداً وضعفاً في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة، لأن الأنظمة القادمة الجديدة لم تزل بحاجة ماسة للدعم الأمريكي لتثبيتها على سدة الحكم وبالتالي سوف تواجه صعوبة في التمرد على الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل ومهما حاولت لكنها ستتوقف عند الحدود المسموح بها أمريكياً ولا مجال لإنكار هذه الحقيقة، فلولا الدعم الأمريكي لما وصلت إلى ما وصلت إليه وللوصول ثمن نعرفه جميعاً، وفي الوقت نفسه فإن الأنظمة القديمة وبقية الفصول سوف تواجه ضغوطاً ومساومة على مواقفها مالم فإن مصيرها سوف يكون كمصير الأنظمة التي مضت، وليس بالضرورة أن يجري تهديدها مباشرة ولكن تلك الأنظمة سوف تدركها من تلقاء نفسها، لأن الدرس مازال ساخناً ومهما كان الأمر لا يمكنها تجاهل ذلك. اعتقد أن هناك مساحة مناورة سوف تترك للجميع ولن يصل الأمر إلى درجة المقدرة على عمل شيء ضد إسرائيل ولمصلحة حركات المقاومة في غزة، ومن هنا يمكن تفسير مسألة توقيت الحرب لأن المنطقة في دوامة من الإرباك بلا نهاية. كانت مؤشرات هذه الحرب واضحة من خلال استهداف مصنع الأسلحة في السودان قبل أسابيع مضت، ومر الحدث عابراًً رغم خطورته، وكذلك جاءت هذه الحرب استباقاً لرغبة الفلسطينيين في الذهاب إلى الأممالمتحدة لطلب الحصول على اعتراف بعضوية غير رسمية ومن أجل خلط الأوراق وتغيير مسار الأحداث جاءت الحرب على غزة وثمة أهداف لم تتضح بعد. خلاصة القول: إن استمرار هذه الحرب بما يمكن أن تصل إليه الأوضاع، وبما يمكن تحقيقه من أهداف سوف يؤسس لواقع جديد في مرحلة يفترض أنها جديدة وعلى أساس هذا الواقع سوف يتم ترتيب أوراق المنطقة وتحديد ملامح مستقبلها، فهل يعي العرب والمسلمون خطورة المرحلة ويتجاوزون حالة التصالح مع الحرب والقتل والدمار ويتجاوزون خلافاتهم الخاصة؟! رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=465962196776194&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater