كنت أعتقد أن العرب قد خلعوا معطف الذل والمهانة عن كواهلهم وأصبحوا أكثر قدرة على مواجهة أعدائهم والدفاع عن أنفسهم ومقدساتهم والذود عن أعراض نسائهم ودماء أطفالهم.. واعتقدت أن علماء المسلمين ومشائخهم قد تحرروا من قيود التبعية للأنظمة وأصبح ولاؤهم لله والدين مقدماً على ولائهم للأحزاب والمذاهب ولم يعد هناك مايمنعهم من قول كلمة الحق والجهر بها، لايخشون لومة لائم.. كما أنهم لم يعودوا مرتهنين لدول الشرق والغرب.. وقلت في نفسي إن ثورات الربيع العربي قد أحدثت التغيير المطلوب الذي يريده كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج، وإن التغيير لم يقتصر على الحكام واستبدال أحزاب كانت حاكمة بأحزاب أخرى تطمح منذ عقود أن تكون حاكمة وتذوق شهوة السلطة ومتعتها، واعتقدت أيضاً أن عرب اليوم يختلفون شكلاً ومضموناً وأن أفعالهم تتطابق مع أقوالهم.. وأن إسرائيل سترى الغضب العربي الحقيقي البعيد كل البعد عن الغضب المألوف وقرارات الشجب والإدانة وشعارات الدعم والمساندة التي نرفعها في مسيرات الغضب، ولن تقف هذه المرة الأنظمة العربية وشعوبها عند سقف الإدانة والشجب اللغوي وإحراق العلم الإسرائيلي والأمريكي أمام السفارات الأجنبية.. وظننت أن الوقت قد حان لتدفع إسرائيل ثمن جرائمها واستهتارها بالعرب طوال عقود وأن دماء الشهداء لن تذهب هدراً بعد اليوم. وفي غمرة تفاؤلي ذهبت أبعد من هذا لدرجة جعلتني أصدق أوهام نفسي أن الموقف العربي سيكون فعلاً رادعاً لإسرائيل ومن يقف وراءها وعلى رأسهم أمريكا التي يجب أن تدفع ثمن كل مواقفها الداعمة لإسرائيل والمعادية للعرب وسنثبت للعالم أجمع أن الدم العربي أغلى من أي دم آخر ومقدساتنا أطهر من أن يدنسها غاصب محتل.. وأرضنا أعز علينا من أنفسنا وأموالنا، والموت لمن تجرأ علينا أو حاول تدنيس مقدساتنا والاعتداء على شبر واحد من أراضينا.. فزمان الذل والضعف والهوان قد أفل نجمه وولىّ إلى غير رجعة وأصبح حزءاً من التاريخ العربي المظلم الذي طوته ثورات الشعوب العربية التي كسرت حاجز خوفها وتفلتت من قيود سجانيها ولم يعد هناك مايحول بينها وبين غايتها وأمنيتها الغالية بتطهير بيت المقدس من دنس اليهود الغاصبين ومنذ اللحظة الأولى للعدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة الفلسطيني تسمرت أمام شاشة التلفاز أصبّر نفسي وأمسح دموع الحزن والأسى على أولئك الأطفال والشهداء الذين تغتالهم آلة الحرب الإسرائيلية، وعزائي أن أسمع قراراً عربياً شجاعاً يعلن فتح الحدود أمام المجاهدين وتوفير كل وسائل الدعم من سلاح وأموال، ولكن مع الأسف لم يتغير الموقف العربي وما أشبه اليوم بالبارحة، وأن عرب اليوم وزعماءهم صورة مستنسخة لزعماء وعرب الأمس ولاجديد. وكما قال الشاعر أحمد مطر: عشرون (خمسون) عاماً والنظام هو النظام مع اختلاف اللون والأسماء تمضي به وتعيده دبابة تستبدل العملاء بالعملاء وعفواً غزة إن خذلك العرب!!. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=467637699941977&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater