مقاربات موضوعية بين ما صنعه الشرق والغرب : قدم لنا الغرب صورة كبيرة لعالم ينوء بأفعاله الظالمة فنسب كل ما يجري إلى المظلومين، متناسياً ظلمه، لشعوب آمنت بالتحرر، فوصمها بالتخلف عن حضارته، فيجب وفق رؤيته الاستعمارية امتهانهم واستباحة أرضهم ونهب ثروتهم، وتقديم فتات الهبات والمساعدات لهم، ليظهر للعالم عطفه، فيما كان يجب على الغرب ترك تلك الشعوب تقرر مصائرها، وتبني مستقبلها وفق تطلعات شعوبها ووفق رؤاها المتحررة هذا الغرب المتحضر كان له من الهمجية النصيب الأوفر، ومن الأطماع ما لا يشبعه أضخم المقدرات. أما الشرق الذي كان داعماً لكل حركات التحرر فقد أسدى تعاونه ومواقفه مع الشعوب المقهورة، دون جزاء ولا شكور، ولم يمن على عظم عطائه، وكف أذاه عن المظلومين، وناهض الظالمين عبر مراحل الصراع بين قوى الخير التي كان منها، وقوى الشر التي عاثت فساداً في الأرض لإشباع نزعتها الهمجية، فكان الشرق يسعى لإحقاق الحق، فيما القرب يجهد لدعم الباطل، فأضر بذاكرة الشعوب التي تجاهل معظمها فظائع الاستعمار الغربي، بكل القارات مستخدماً فكره المريض، وآلته العسكرية، وطبيعته المغرورة لإخضاع وامتهان الشعوب الضعيفة المتخلفة محولاً إياها إلى مطية تسبح بطغيانه. فما فعله بفيتنام لا يقل بشاعة عما اقترفه باليابان، وما قام به بأفريقيا لا يقلل مما قام به في آسيا وأمريكا اللاتينية، وما يعمله بسوريا يماثل ما فعله بالعراق، ودوره بأفغانستان هو نفس دوره بباكستان أما لبنان فكان نصيبه مما حل بفلسطين يتساوى معها بما يقدمانه من مقاومة وعطاء. ولو قارنا احتلال الغرب لكثير من بلدان العالم، مع تواجد الشرق في أوج قوته ومناطق نفوذه، لكان الشرق أقرب إلى الإنسانية وحق الشعوب في التحرر والعدالة من دعاوى الحرية الغربية المزيفة، التي شغل الناس بها، لذلك كانت أنسنة الشرق أسهل كثيراً من أنسنة الغرب، الذي خاض حروبه الوحشية حاملاً راية الباطل بكل اعتزاز.. مدعياً أنه تعويذة الخلاص من كل سوء. إن أزمة الغرب هي أزمة فكرية تمازجت بأفعاله اللا إنسانية التي قدمها نموذجاً صارخاً من الهمجية المقيتة، وتحت دعاوى جلب قيم الحضارة لشعوب أثقل كاهلها التخلف، فأضاف إليه نزعة الاستبداد والاستغلال، وإذا كان العالم اليوم يمثل مسرحاً كبيراً تتعدد فيه الأدوار، فقد اختار الغرب دور الشرير، متقمصاً دعاوى الواعظين المنادين بالعدالة وهم يقترفون ظلماً.. لقد كان الغرب ممن يصوغون المواثيق والقوانين الدولية، وها هو حاضراً يخترقها ويناقضها قولاً وعملاً لذلك لم يعد الغرب مشروعاً مستقبلياً للإنسانية والشعوب الغربية معها، ولم يعد حاملاً من حوامل التطور، بل أصبح عاملاً تخريبياً، وصانعاً للأزمات المختلفة الألوان والأشكال والأحجام.