مشروع الحوار الوطني ليس فقط ترجماناً أميناً لمرئيات المبادرة الخليجية، بل إنه استعادة ضمنية لكامل المشاريع الرشيدة التي تمَّ تقديمها على مدى سنوات وعقود من الاجتهاد البنّاء، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر “ وثيقة العهد والاتفاق”، ثم ما تلاها من مقترحات تقدم بها الحزب الاشتراكي اليمني، بحثاً عن مخارج سلمية عاقلة للأزمة المستفحلة، واستباقاً للقادم الأسوأ، غير أن نظام الحكم أبَى وتأبّى، وظل مُقيماً في منطق الظفر العسكري الخائب، واعتبر شركاء المعارضة مجرد (تحالف للضعفاء)، وتطاول على مرجعيات الجمهورية التاريخية العصرية، ليُطالب بعضهم بتصفير عداد الانتخابات الرئاسية، ويحلم آخرون بالتوريث في ظل جمهورية تدَّعي مغادرة البُنية الملكية السلطانية التاريخية. وتطاول البعض الآخر على المال العام حتى أصبح النهب والاستباحة لمقدرات البلد تعبيراً عن الذكاء والفتوة والمرونة!!، وتغيرت مُسميات الأشياء وصفاتها، وصولاً إلى قلب الحقائق الموضوعية رأساً على عقب، وتعددت الألقاب المجانية التي منحت للمنخرطين في لوثة التداعي السلبي مع الأنا الأنانية، غير الناظرة لما بعد الآكام والهضاب، فأصبحت الرواتب والمكافآت توزع لمن لا عمل لهم، وتمنع على من له الاستحقاق القانوني الناجز. وبالمقابل تعددت وظائف المتنفذين وعلاواتهم حتى بلعت الموازنة العامة الجارية للدولة، في الوقت الذي يئن فيه الملايين تحت وطأت الفقر الأسود. وعلى خط متصل أصبحت موازنات البعثات الصحية والدبلوماسية والتعليمية بورصة استثمار بشعة للمتنفذين الكبار، ومن يقتات على موائدهم من صغار المتطفلين، المسافرين على سفينة النهب والسلب للمال العام. ثم كان التتويج الخسيس لهذا السلوك من خلال القضاة الذين قدموا كامل المبررات لشركائهم في الرشوة واللصوصية. تلك المحطات الكئيبة من تاريخنا المعاصر، والتي مازالت تعيد إنتاج خرائبها تستحق وقفة فعل واضح المعالم والخطوات، وقبل هذا وذاك مكاشفة للذات قبل الآخر، فهل نحن فاعلون ؟ [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=467936816578732&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater