حدث الاستقلال عن المستعمر البريطاني في 30 نوفمبر 1967م،ومنذ ذلك الحين ومن قبله وفي الوقت الحاضر وفي المستقبل القادم نحن بحاجة لسلسلة استقلالات من وحي المعنى الشامل والكبير لمفردة الاستقلال، ولكن قبل هذا لابد من فهم حقيقي لماهيته ودلالاته. نحن بحاجة لأن نستقل في تفكيرنا عن التبعية والوهم، والأنانية، وعن الأهواء التي لا تحتكم إلى القيم النبيلة والمبادئ السامية، وعن النزهات القائمة على الحقد والكراهية والعداوة والحسابات الشخصية، وعن الرغبة في الاقصاء والتهميش ومصادرة حقوق الآخرين وحرياتهم. نحن بحاجة لأن نستقل عن السياسات الخاطئة والمواقف المستعجلة وردود الفعل غير المدروسة، وعن سياسة التفرد بالآراء والمواقف التي تنعكس على الوضع العام، وأن نستقل عن السلبيات في القول والعمل والدفع بالبلد نحو مزيد من الأزمات والصراعات. هناك ضرورة لأن نستقل عن الفساد الذي جلب لنا كل المصائب والمشكلات، وألا يكون الأمر مجرد كلام للاستهلاك والتضليل ومداعبة عواطف العامة من الناس. الاستقلال يعني الحرية ولا حرية لمن ينفذ سياسة أي طرف اقليمي أو دولي على أرض بلده، ولا حرية لمن هو أسير لنزعاته وأهوائه وغروره، ولا حرية لمن يكذب ويعتبر الكذب وسيلة لتمرير السياسات وتحقيق الأهداف، ولا لمن يعيش في قبضة الجشع الممقوت في كل الجوانب، وثمة جشع متعلق بالسلطة والحكم. الاستقلال يعني امتلاك القرار بعيداً عن الهيمنة والتوجيه والخوف والانصياع، وثمة من لم ولا يمتلك قراره رغم استقلال البلد عن المستعمر، ولكنه يعيش تحت سلطة الاحتلال المادي أو الفكري دون حساب للواقع ومصلحة البلد والناس، والحديث هنا عن الذين لم يتحرروا بعد عن الجهات، والأطراف التي استعمرت عقولهم وتوجهاتهم وسياساتهم، نحن بحاجة لأن نستقل عن مشكلة عدم الثقة السائدة بيننا، وعن سوء النية الذي نمارسه بحق أنفسنا وبحق غيرنا في هذا البلد، وعن محاولات السيطرة والاستئثار بالبلد لدوافع وأهداف تفتح أبواب الخلافات والصراع، وعن الغباء والتغابي في قضايا مصيرية لا تقبل شيئاً من ذلك. هناك أمور كثيرة يجب أن نستقل عنها ليصلح حالنا وتستقيم حياتنا، ولا يكفي أن نحتفل بمناسبة الاستقلال ونحن نطمح لاستبداد بعضنا وظلم بعضنا ولو من باب تصفية الحسابات، فهذا كله سيكون سبباً في مآسينا القادمة وعلى حساب مستقبل الأجيال التي تتمنى أن ترث الحاضر خالياً من أسباب الصراع ومستقلاً عن الأزمات والفقر والجوع والمرض والوهم والتطرف وعن الصراعات المذهبية والقبلية وعن الثأرات وسباق التسلح والثراء المادي الذي أضرَّ بالبنيان الاجتماعي وورث الكثير من الشعور بالظلم والرغبة في الانتقام كمرض نفسي واجتماعي نتيجة للطبقية وفوارقها المرعبة. لا يكفي أن نحتفل بالاستقلال ونحن ندفع بالبلد نحو وضع قد يعيد المستعمر بذاته أو غيره من مدخل حفظ السلام وحماية المصالح، أو حتى للتقريب بين وجهات نظر المُختلفين أو المتصارعين، وكثيراً ما يحدث هذا وكثيراً ما سوف يحدث في ظل الاندفاع المجنون نحو إلغاء الآخر والانتقام منه. ختاماً.. أخشى أننا نقود أنفسنا ونقود البلد إلى الكارثة ونحن نعتقد ونظن أننا نقوده نحو الرفاهية والتقدم والنهوض.. أخشى أننا نسير في مهرجان فرائحي في ظاهره ومأساوي في مآلاته وختامه، والمطلوب ليس أكثر من الإدراك والوعي. رابط المقال على الفيس بوك