يقول المفكر الفرنسي «فولتير»: « كلنا ضعفاء وميالون لقانون الطبيعة؛ والمبدأ الأول للطبيعة هو التنوع، وهذا يؤسس للتنوع في مجال الحياة الإنسانية، وقبول هذا التنوع حق أساسي للوجود»، وربما يعد شرطاً ضرورياً وأساسياً من شروط العيش المشترك في أي مجتمع، ويضيف «فولتير» في واحدة من أشهر العبارات التي أعلت - باتفاق عديد من الباحثين- من شأن الحرية والتسامح والقبول بالآخر على أساس مبدأ الاختلاف: «إنني [ قد ] لا أوافق على ما تقول، ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله». وهذا الفكر أو التوجه – مع وعينا الكامل لحجم المسافة الزمنية الفاصلة بين الحقبتين - ربما طبع كثير من التوجهات الرسمية وأيضاً النقاشات الفكرية في كثير من المجتمعات الأوروبية الغربية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وربما صار واجهة لكثير من توجهاتها وسياساتها، وعنواناً لها في كثير من المراحل التي أعقبت تلك الحقبة التاريخية العصيبة، لاسيما في إطار العلاقات بين قادة دول ما يعرف اليوم ب “الاتحاد الأوروبي”، التي خرجت من دوائر الحرب والصراع الضيقة ونتائجها المدمرة، إلى دوائر الحوار الرحبة، وآفاق التعاون الواسعة والفسيحة، ولا أظنها (أي تلك القيادات أو المجتمعات) كانت ستصل إلى تحقيق نفس النتائج التي نلحظها في الزمن الراهن إن هي تمترست وراء أحقادها وضغائنها التي سببتها سنوات طويلة من الصراع ومن الحروب التي أكلت الأخضر واليابس، وما كان أحد سيلومها إن هي فعلت ذلك، أو إن هي ظلت تحصي قتلاها، وتسعى من أجل الانتقام والثأر لهم، أو إن هي بحثت عن أعذار واهية يسهل إيجادها من أجل إعادة نبش القبور، وإخراج جثث الموتي، أو توسعتها لاستقبال جثث جديدة لحلقة من الصراعات التي لا تنتهي. لكن أولئك القادة – مع اختلافهم واختلاف شعوبهم ومجتمعاتهم العرقي، والإثني، والديني، والثقافي، والسياسي - وبدلاً من التفاتهم إلى الذكريات الأليمة من الماضي القريب، وعوضاً عن سعيهم لنبش الجراح التي لم تكن قد اندملت بعد لحداثتها، نجحوا في تقريب وجهات النظر بين أعداء الأمس، وفي البحث عن مشاريع اقتصادية مشتركة أعادت توجيه قدرات تلك البلدان ومواردها المادية والبشرية من أجل إعادة الإعمار والبناء، ولإدارة عجلة التنمية التي كانت قد توقفت بسبب تلك الصراعات والحروب. ولذلك كله، يستحق أولئك القادة في تلك البلدان الثلاثة (فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا) من شعوبهم الاعتراف بجميلهم وبحسن صنيعهم، وأن ينالوا منا جميعاً كل “شهادات التقدير”، أو “براءات الاختراع”، أو “حقوق التأليف والابتكار”، اعترافاً منا بصنيعهم الذي جنب كثير من تلك المجتمعات ويلات الحروب المستمرة، وشكل فضاءً إقتصادياً ومالياً منافساً لأقوى اقتصادات العالم المعروفة اليوم. وهذه الممارسات أو التوجهات أو “السياسات”، في بعض صورها ومراميها وبرغم سعة الفارق الحضاري والثقافي بيننا وبين تلك المجتمعات،، هي ما يحتاجه مجتمعنا اليمني وقياداته اليوم، من أجل إعادة اللحمة الوطنية والبناء والإعمار لكل ما تهدم، ويمكن تجسيدها واقعياً فيه إن رغبنا جميعاً في طي جميع صفحات الصراع والحروب والثأرات القبلية، الفردية والجماعية الماضية سواء ما كان منها بين الشطرين سابقاً، أو داخلهما، أم في إطار صراعات ما بعد حقبة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية. ولا ضير في أن يعترف كل واحدٍ منا ومن قياداتنا السياسية والحزبية بأخطائه التي اقترفها خلال تلك المراحل التاريخية, وأن يعتذر كل واحدٍ منا لكل من أساء لهم – بقصد أو بدونه -، وأن نعقد صلحا وطنياً اجتماعياً وجماعياً مع إخواننا في جميع مناطق ومحافظات اليمن الكبير نطوي به جميع صراعات الماضي القريب والبعيد، وأن نجلس جميعاً إلى طاولة الحوار متخلصين من كل عقد الماضي، وذنوبه، وأحقاده، وثأراته، وحساباته، وملفاته. وأن تشرأب أعناقنا جميعاً إلى المستقبل نبينه بسواعد جميع أبناء الوطن، دون تمييز أو إقصاء أو تهميش. فهل نستوعب وقياداتنا دروس الماضي، ونستفيد جميعاً من أخطائنا؟ فهل نتعلم من تجارب الآخرين؟؟. رابط المقال على الفيس بوك