مما لاشك فيه أن موضوع الوسطية في الإسلام من الموضوعات الجديرة بالطرح والتناول والتعاطي معها بموضوعية وتجرد ، لاسيما في مثل هذه الأحوال والظروف التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية اليوم من الفرقة والشتات والتمزق والتشرذم والخلاف والاختلاف بفعل غياب الوعي من الداخل وحضور وعي الأعداء من الخارج. يقول الأستاذ الدكتور/ صادق شائف نعمان أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية في سلطنة بروناي دار السلام إن مفهوم الوسطية الإسلامية العقدي يتجلى في التصور الإسلامي للذات الإلهية العليا وصفاتها الجلية ولأنبياء الله ورسله عليهم وعلى نبينا أزكى الصلاة وأتم التسليم ، التصور المتسم بالوسطية والاعتدال البعيد عن الغلو والتطرف والإفراط والتفريط ، فمفهوم الوسطية العقدي في الإسلام يتجلى من خلال هذا النص القرآني الكريم ( وكذلكَ جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداءَ على الناس ويكونَ الرسولُ عليكم شهيداً ) سورة البقرة : 143 قال المفسرون : معنى (وسطاً) أي : دون الأنبياء وفوق الأمم وقالوا : إن أحمد الأشياء أوساطها ، وإنما كان الوسط محموداً لأنه مجانب للغلو والتقصير وروي عن الإمام الراشد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه أنه قال : (عليكم بالنمط الأوسط ، فإليه ينزل العالي ويرتفع النازل) تفسير القرطبي 2/153 154 فالوسطية منهج رباني سوي يحفظ المرء من الإفراط ويصونه من التفريط ويرعاه من الغلو ويحرسه من التطرف. وأما الوسطية ببعدها الفكري فتتمثل بما جاء به الإسلام من الوسطية بين المادة والروح وبين العقل والنقل وبين اللفظ والمعنى وبين القصد والمبنى وبين الدنيا والآخرة...الخ. وأما الوسطية ببعدها السياسي فتتمثل بما جاء به الإسلام من منهج الوسطية بين النبوة والإمامة وبين العقيدة والشريعة وبين الدين والدولة وبين سياسة الدنيا وحراسة الدين وبين الراعي والرعية. وأما أثر الوسطية الاجتماعي فيتمثل بقيام التعايش السلمي بين أبناء الوطن والمجتمع على تعدد طوائفه ومذاهبه وأحزابه وفئاته على قاعدة الوسطية التي تعني القبول بالآخر واحترام عقله ورأيه وإرادته واختياره وأنه لا يحق لأي أحد مهما كان أن يدعي امتلاك الحقيقة دون سواه أو الكمال أو العصمة ، فالكمال لله وحده والعصمة لأنبيائه ورسله وقرآنه وكل أحد يُؤخَذ من قوله ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم . إذاً الوسطية من أبرز سمات الإسلام ابتداءً بالعقيدة والشريعة ومروراً بالعبادات وانتهاءً بالسياسة والمعاملات وهي سمةٌ تتسم بالمرونة والديمومة ، تتكيف مع الحوادث والمتغيرات وتتواءم مع النوازل والمستجدات التي تطرأ على مختلف شؤون الحياة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك