تحدثنا في المقال السابق عن ضرورة الخلاص من ما أسميناه ب(القابلية للخضوع) ,وهي حالة تصيب المجتمع بالخمول و السلبية والاستسلام بحيث يقبل ويقتنع بالظلم والفساد والاستبداد وهضم حقوقه باسم الدين أو التخيير بين أمرين أحلاهما مرّ أو سيطرة فئة تدّعي قدرتها على إدارة المجتمع ,بينما هي ذاتها عاجزة عن ادارة ذاتها... وحتى نتمكّن من الخلاص و الانتقال من حالة القابلية للخضوع والسلبية إلى حالة من الإيجابية والثقة بالذات والمشاركة في تنمية المجتمع على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها ,وبعيداً عن الأيدلوجيا الحزبية والسياسية والدينية ,نحتاج إلى الوعي واليقظة الناشئة عن الفكر السليم الصادر عن العلم و الفهم و العقلانية والتي تنتشل المجتمع من حالة التخلّف والركود والخضوع إلى حالة النهضة والفاعلية والتحضّر ,حتى يدرك كل فرد مكانته في المجتمع والقيام بمسؤوليته بكل حماس وإخلاص ,من خلال معرفة القوانين التي تسيّر المجتمعات نحو النهوض أو التخلّف مستعينين بفلسفة التاريخ وروح الدين ومهارات التفكير وإدارة الحياة .. لقد مرّت أعوامٌ طويلة دون أن ننظر في عِلل مجتمعنا التي تجعل منه مجتمعاً متخلِّفاً اقتصادياً وصحياً وتعليمياً وغيرها ,لأننا كنا نؤمن بأن المسألة في يد رئيس الدولة والحكومة ,حتى إذا قامت الثورة وطالبنا بالتغيير وبدا لنا أن الموضوع صار بأيدينا أي بيد الشعب ,وجب علينا أن نتوقّف طويلاً لحماية المكاسب الثورية التي حصلنا عليها ,وأن نكمل الثورة حتى النهاية ,وهذا هو واجب أبناء الوطن والأمر كله بات في أيديهم لأن أي خلل نفسي أو اجتماعي يصيب هؤلاء سيقتل روح الثورة بين الجماهير وسيقود المجتمع نحو الدمار والتراجع ,لتعود الكرّة ويعود الإستبداد والظلم ,لذلك كان النقد هو الطريق الأول والوسيلة الأولى التي علينا أن نسلكها لنحافظ على المكاسب الثورية وحتى تنجز الثورات أهدافها كاملة ,ما يمكِّننا من رؤية عيوبنا والبحث عن حلول وإبداع علاجات تقضي على الداء قبل استشرائه ,فما قيام الثورة ونجاحها إلا بداية الطريق وليس نهايته والذي يجب أن نكمله ونلتزم بمساره حتى نصل إلى بر الأمان ,فما بعد الثورة هي مرحلة الثبات على المبادئ والتحرّك ضمن المسارات المتاحة وبذل الجهد ,لأجل البناء ليصبح كل عملٍ في مصلحة الأهداف الثورية والنهضوية بعيداً عن التفكير في الوجاهة والسلطة وهذا ما يمكن أن نسميه ب(أخلاق الثورة) .. فمازال وطننا وكثيرٌ من أجزاء العالم العربي مصاباً بلوثة السلطان ,فخضوع الرقاب لجبروته منذ زمنٍ حوّل كثيراً من أفراد المجتمع إلى آلاتٍ بيده يبطش بها ويستعملها كيفما ومتى شاء ,مما حوّلهم إلى أشخاصٍ سلبيين, فشدة الفقر حوّلتهم إلى كائنات متبلِّدة تلهث خلف إشباع رغباتها ونزواتها بأي طريقة وبأي صورة وإن كانت فوضوية وغير عادلة ومخلّة بميزان الأخلاق ما يجعل هذه القابلية المترسّبة في النفوس تعيد إنتاج ذات المشكلات التي حاولت الثورات القضاء عليها ,هذا ما يجعل عملية تحوّل المجتمع من مرحلة ما قبل الثورة إلى مرحلة البناء وما بعد الثورة أمراً عسيراً نوعاً ما ,ولكنه ممكن! وللقضاء على هذه القابلية يحتاج المجتمع والحكومة الجديدة إلى مزيد من التحفيز وبذل الجهد المضاعف على مختلف الأصعدة ,فالشعب لم يتخلص بعد من أدران الماضي وطبائعه البغيضة ,وإنّ تخلصه منها لهو الضامن الأساسي لنجاح الثورات واستمرار مكاسبها وتحقيق أهدافها دون نقص.. قد نراقب هذه الثورات ونشاهدها في حياتنا اليومية ثم نصمت ونهزّ كتوفنا ونعود أدراجنا غير مبالين بالخطر الكامن خلف تلك الممارسات غير الأخلاقية , وهنا أحببت تسجيلها حتى لا ننساها فنسيانها سيؤدي إلى ضعف في معالجتها وبالتالي إهمال مقاومتها والقضاء عليها...وهذا ما سنستعرضه في المقال التالي بإذن الله. في الظل.. إذا كنت تحاول لمسَ الشمس ,ووجدتَ الجميع يصرخُ خلفك قائلين: لن تقدر لأن الله قدّر...حينها تأكّد بأنك ستقدر ,لأن معك القدير! [email protected]