أتحفتنا الشاشة الصغيرة مع أواخر العام المنصرم كما لم تتحفنا من قبل ،وهي تنقل إلينا إحدى جلسات مجلس النواب الخاصة بإقرار موازنة الدولة للعام الجاري، حيث وقف الأستاذ صخر الوجيه، وزير المالية للرد على تساؤلات النواب، حيث استعرض بحضوره الطاغي ومقدرته اللغوية وخبرته البرلمانية الطويلة ملامح مشروع الموازنة العامة مبيناً العديد من القضايا المالية أمام نواب الشعب بكل وضوح وشفافية. لقد شدتني صراحة الشاشة الصغيرة وهي تنقل السجال المفعم بالموضوعية والحيوية وعرضها للتحليل الواقعي الملم بمعطيات الراهن وفضلاً عن جسامة التحديات التي تقف حائلاً تجاه انجاز الكثير من المشاريع، وشدتني أكثر أيضا صراحة وزير المالية الأخ صخر الوجيه وهو يرد على بعض الاستفسارات وخاصة تلك المتعلقة بالمطالب الشخصية لأعضاء مجلس النواب، حيث انحصرت نقاشات كثير منهم حول بدل المساعدات العلاجية التي يتقاضاها العضو سنوياً والبالغة خمسة آلاف دولار، حيث احتج بعضهم على قيام المالية تخفيضها إلى أربعة آلاف دولار أسوة بأعضاء الحكومة، الأمر الذي أدى بأحد أعضاء مجلس النواب وهو الشيخ جعبل بن طعيمان إلى توجيه العتب لوزير المالية لهذا الإجراء الذي اعتبره انتقاصاً لحقوق أعضاء مجلس النواب، وقد اتسمت ردود الأخ وزير المالية بالهدوء والموضوعية مستنداً على الوثائق ومستعيناً برأي الأستاذ عبدالله المقطري، عضو مجلس النواب رئيس اللجنة المالية بالمجلس الذي أكد بدوره صحة ما ذهب إليه الأخ وزير المالية.. وسط هذا السجال تدخل الأستاذ يحيى على الراعي، رئيس مجلس النواب بالقول إن ما يسري على أعضاء مجلس الوزراء يسري كذلك على أعضاء مجلس النواب.. ثم احتدم النقاش حول ميزانية مجلس النواب البالغة قرابة سبعة مليارات ريال التي تباينت إزاءها الآراء بين معترض ومؤيد لحجم هذه الموازنة ، والحق يقال إن للشاشة الصغيرة فضل إماطة اللثام عن هذه السجالات كاملة وبدون رتوش.
وأصدقكم القول إني استغربت كثيراً أن تمر هذه الجلسة وقد بثتها الشاشة الصغيرة مروراً عابراً دون أن تتنبه إليها صحفنا السيارة والتي تقيم الدنيا ولا تقعدها لمجرد حادثة بسيطة دونما أن تلتفت أو تعير مثل هذه السجالات التي تضع أعضاء مجلس النواب الأجلاء أمام إشكاليات أدبية و مناقبية ترتبط بالبحث عن امتيازاتهم بمعزل عن مناقشة قضايا الوطن.. قلت: استغرب على صحفنا إغفال مثل هذه السجالات أو حتى مجرد الإشارة إليها وذلك حتى يكون المواطن على دراية بما يناقش تحت قبة البرلمان.
فصول الحكاية لم تنته عند هذا الحد، بل إن النقاش أخذ بعداً جديداً اتسم بالشفافية والوضوح، حيث اتضح لمتابع تلك الجلسة الساخنة قوة حجة وزير المالية وحضوره تلك الجلسة بكل ثقة واقتدار، مسلحاً بالمنطق والحجة والبرهان، خاصة وهو يرد على مجمل الاستفسارات ذات الصلة باتجاهات الموازنة ومواردها وعجزها ومكامن الاختلالات فيها بكل شفافية ووضوح.
فضلاً عن اتسامه بالشجاعة والصراحة في ردوده المقنعة والتي لا لبس فيها أو غموض وتحديداً في تناوله لمعطيات الواقع وتحديات الراهن من المشكلات والاختلالات القائمة في أداء مختلف السلطات وهو ليس تدخلاً في اختصاصات هذه السلطات وإنما هو من صميم صلاحيات وزارة المالية، خاصة وهي تقوم بترشيد وتصويب بعض المطالب التي تتجاوز المعقول والتي إن أخذ بها -وبدون مناقشة أو تدخل- لخربت البلاد قبل أن تفرغ خزينة الدولة.
ولما أخذ النقاش هذا البعد من السجال أحس بعض أعضاء مجلس النواب بأن الكاميرا تنقل تفاصيل الجلسة دون رتوش أو مكياج الأمر الذي استدعى النائب المشهود له بالصراحة والصدق الأستاذ عبدالعزيز جباري إلى التدخل ومحاولة فض الاشتباك في حوار يدور في مجمله حول مصالح ممثلي الشعب وامتيازاتهم بدلاً عن الخوض في نقاشات تخص أوجاع وهموم هذا الشعب، مطالباً في نهاية مداخلته برجاء منع نقل وقائع هذه الجلسة عبر الشاشة الصغيرة إلى المشاهدين التي لم تكتف بنقل وقائع تلك الجلسة الساخنة فحسب وإنما نقلت أيضاً صوت وصورة النائب جباري وهو يصرخ: أرجو أن لا تبث وقائع هذه الجلسة في التلفزيون !! رابط المقال على الفيس بوك