الحقيقة أن الشارع لازال منفلتاً وتسوده ظواهر اللامبالاة أو الإحساس بالمسؤولية، فضلاً عن تلك السلوكيات التي تعيق استئناف دورة الحياة الطبيعية تحت شعارات مطلبية وسياسية ما أنزل الله بها من سلطان. ولاشك أن كلفة هذا الانفلات لا يعيق – فقط – إمكانية قيام مؤسسات الدولة بمسؤولياتها والتزاماتها، بل أنها تصيب المجتمع في مقتل من خلال تفكيك العرى الاجتماعية وتفتيت وحدة النسيج الوطني وبما يسمح في إبقاء الوطن أسيراً لحالة من الانفلات العام في انتظار لحظة الانهيار الشامل وهو ما تهدف إليه هذه الأصابع التي تقف وراء استمرار حالة الفوضى القائمة على كافة المستويات إيذاناً بإعلان تدخلها المباشر في الشأن اليمني حتى وإن أدى ذلك إلى نشوب اقتتال أهلي داخلي مدمر.
وعلى الرغم من الجهود والمساعي الحثيثة التي تبذلها القيادة السياسية وحكومة الوفاق الوطني من أجل إعادة تطبيع الأوضاع الداخلية وإنجاز التسوية السياسية إلا أن ثمة عقبات تعترض هذه الجهود وتحديداً في تلك المحاولات الدؤوبة الهادفة تعطيل الجهود الوطنية والأممية لانجاز هذه التسوية، وذلك بمحاولات تفكيك آليات الحوار الوطني من خلال وضع اشتراطات تعجيزية للقبول بمبدأ المشاركة في مداولات الحوار الوطني ، فضلاً عن مساعيها لإذكاء نار الاختلافات وتعميق مفاهيم الشطرية والمذهبية والجهوية وتحويل الساحة اليمنية إلى مرتع خصب لظواهر الانفلات والجريمة والإرهاب وتمرير صفقات السلاح والمخدرات التي باتت أحد الملامح التي ترسم صورة العشوائية في الشارع اليمني وتنذر بكارثة وشيكة إن لم يتداركها العقلاء ويعمل الجميع على معالجتها وإبطال مفعول ألغامها المزروعة على امتداد الوطن.
وحتى لا أبدو متشائماً أكثر من اللازم فإنني أشير هنا إلى بعض المؤشرات الايجابية التي تبذلها الحكومة عبر مؤسساتها المختلفة وفي اتجاه عودة الانضباط إلى الشارع من خلال استئناف المؤسسات الإنتاجية والخدمية لأداء وظائفها وعلى نحو أفضل عما كان عليه الحال في السابق ، حيث نلمس ذلك الأداء في العديد من الخدمات وفي عودة ممارسة أجهزة الأمن والشرطة لمهامها ومسؤولياتها بكفاءة وجدية وكذلك تكثيف جهود نقاط التفتيش والجمارك والتي أدت إلى إحباط الكثير من الجرائم بما فيها تلك المرتبطة بتهريب الأسلحة والمخدرات .. وكلها صور إيجابية - وإن كانت بسيطة – إلا أنها واحدة من المحاولات الدؤوبة التي تبذلها الحكومة على صعيد إعادة الانضباط إلى الشارع الذي لا يمكنه أن يستعيد عافيته أو يستقيم بدون تنامي وعي المواطن الذي عليه – ومنذ الآن – تحمل هذه المسؤولية الوطنية الكبيرة ، خاصة أن البعض لايزال يراهن على وعي الموطن بالمآلات الخطرة التي يمكن أن تقودنا إليها هذه التصرفات الرعناء وهذا والفوضى التي لم يسبق لليمن أن عاشها.. فهل نرتفع إلى مستوى هذا التحدي؟ أم أننا سنغرق في وحل قد لا نجد من يمد إلينا يد العون والمساعدة والإنقاذ؟ وعندها – فقط – سنعض أصابع الندم حين لا ينفع الندم!! رابط المقال على الفيس بوك