صادفت الأيام القليلة المنصرمة من شهري سبتمبر ويناير عامي 67 و1968م ذكرى الأيام البطولية الخالدة لشباب وجنود، وكافة أبناء الشعب اليمني العظيم، ذكرى أو قل ملحمة السبعين يوما العظيمة المجيدة. تلك الملحمة الفاصلة في حياة شعبنا التي كانت أشبه ما تكون بالامتحان الصعب والعسير الذي اجتازته طلائع الشعب اليمني البطل لاختبار إرادته الصلبة وإيمانه الراسخ بمبادئ ثورته المباركة وأهدافها في الحرية والديمقراطية ونظامه الجمهوري الخالد. لقد كانت أيام السبعين يوماً كذلك وأكثر من ذلك لأنها كانت آخر اختياراتنا التي رفعناها يومذاك وهي: الجمهورية أو الموت.. فكان من أصعب المستحيلات على شعبنا أن يقبل أو يرضى بغير ذلك...ففي الوقت الذي أعلن للعالم عن سقوط ذلك النظام الكهنوتي الغاشم الذي عزلنا في سجن موحش رهيب لعقود من الزمان، فكان من المستحيل بعد كل تلك الويلات التي حلت بشعبنا وبعد تلك التضحيات الجسام التراجع إلى الخلف. أما لماذا وكيف نعتبر هذه الأيام المجيدة بالمعركة الفاصلة والمتوجة لكافة تضحياتنا السابقة فلأنها قد كانت بحق المختبر الذي صهر وأبرز أصالة ومعدن الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فأبلوا ذلك البلاء الأجمل والأحسن والأنبل ففي هذا الوقت وقبل أيام الحصار المعدودة كانت كواليس سياسية الأطراف الخارجية قد قضت وأبرمت الاتفاقات على ضرورة مغادرة جيش مصر البطل البلاد.. فكانت فلول الملكية تعد العدة مع العديد من خبراء وجنود المرتزقة الأجانب مع ما زودوا به من الآلات والمعدات المتطورة الخطيرة، كانوا يعدون العدة للانقضاض على الثورة وعلى أبناء الثورة البواسل، ولذلك فقد استطاعوا التسلل إلى مرتفعات منطقة حدة، ونصبوا هناك مدفعياتهم الآثمة التي أخذت تقصف مواطني أحياء باب اليمن العزل.. هذا إلى جانب تركيزهم على إذاعة صنعاء الباسلة التي أرادوا أن يبثوا الرعب في نفوس وعقول كوادرها، ولكن هيهات لهم النيل من نفوس وعقول أولئك الأبطال الذين كان معظمهم ممن كانت قد جبلت نفوسهم وأفئدتهم من مرارات وعذابات حكم الطغاة الآثمين، وبمناسبة ذكرنا لإذاعة صنعاء فإن كاتب هذه السطور كان قد زار مدينة صنعاء قبيل ثورة سبتمبر بأشهر عند أخذه بيدي الأستاذ القدير/ عبدالعزيز المقالح الذي كان يعمل ويُعد بعض البرامج و عرفني على عدد من العاملين هناك، ومنهم عدد من الأدباء الأفذاذ فكان هناك الأستاذ/ عبدالله حمران رحمة الله عليه، والمرحوم محسن الجبري وآخرون لم أعد أتذكرهم، وفي تلك الفترة تعرفت بواسطة الدكتور/ على عدد من الأخوة من أبناء بيت أبو لحوم ومنهم/ علي عبدالله أبو لحوم، وأخوه رحمة الله عليه: محمد أبولحوم، وآخرون وكان يومها قد تعرفت على الطالب الذي تخرج لتوه من القاهرة وهو: المرحوم عبدالله الكرشمي رحمة الله عليه. “معذرة أعزائي فيبدو لي قد خرجت عن سياق الموضوع الذي نحن بصدده”. وعود على بدء، فإن أيام الحصار تلك أو بعبارة أدق أيام السبعين يوماً الخالدات، قد كانت بحق هي التي ينطبق عليها قول الشاعر: السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب” فوضعت تلك الأيام العظام حداً فاصلاً بين عهدين، عهد كان يسترشد بخطواته اليومية في معالجة وحل قضايا الشعب ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية بآراء واستشارات ومقترحات “المنجمين” ومنظري “القطران” واعتماده الكلي على صنوف الخرافات والخزعبلات التي ما تزال حتى يومنا هذا تجد لها مسوقين ومروجين وتجاراً بلوحات ولافتات، على أبواب محلاتهم فلا حول ولا قوة إلا بالله، هذا علاوة على تلك الوحشية في تصرفاته لاتجاه الشعب وحسب وإنما تجاه أقرب الناس إليه وبعد، كيف استطاعت المقاومة الشعبية مواجهة تلك الفلول الذين كما سبق وقلنا من أنهم مزودون بأحدث أنواع الأسلحة، إلى جانب أكياس الذهب فقد قال لي أحد المقاومين من أن أفراد الفلول الملكية كانوا عندما يذهبون لشراء أية سلعة أو عقب تناولهم لوجبات طعامهم يخرجون من جيوبهم حفنة من الذهب لدفع ما يريدون شراءه. أما النصر فقد تحقق لأن أصحاب المصلحة بالثورة والجمهورية هم الذين كانوا في طلائع المقاتلين فالشباب الذين انطلقوا من القرى والمدن، ومن المدارس والشوارع وبيوت الفقراء والمحتاجين هم الذين استطاعوا انتزاع النصر من مخالب الوحوش المفترسة.. إننا نأمل ونرجو من كافة مراكز الدراسات والبحث استحضار كافة مسارات الثورة والوقوف عندها طويلاً للاستفادة والعبر من كل ما مر بنا من أحداث ومواقف فالملاحظ أن ثوراتنا وهباتنا مرهونة بالمحيط الإقليمي، الأمر الذي يجعل مآلات خطوتنا التعثر والإحباط.. كان كاتب هذه السطور إبان ذلك (الحصار الغاشم الجبان) عضو قيادة المقاومة الشعبية بالحجرية وبوجه خاص في مدينة (التربة) وهمزة الوصل بين القيادة بالحجرية وكل من تعزوصنعاء ومن خلال زياراتي المتكررة لكل من صنعاءوتعز كنت أتألم كثيراً وأحس بقدر من المرارة مما كان يحدث ويدور بين فصائل المشاركين في الهم الوطني الواحد، ورغم ذلك يمارس البعض منهم ضد بعضهم البعض مكايدات هابطة وتصرفات هي أقرب لسكان الغاب ولا تليق بأناس ينتمون بذلك الوقت إلى أحزاب ومنظمات سياسية، أورد هذا هنا فقط، كي ندرك مدى ضيق الأفق في رؤانا ونظراتنا لأمور الحياة.. لكننا اليوم نشعر بقدر كبير من الارتياح لما وصل إليه(اللقاء المشترك) هذا الطوق الذي لو سمح الله وانفرط عقده لدخلت البلاد في متاهات وعثرات لا تحمد عقباها...وإن الضمان لاستمرار هذه الروح الأخوية يتمثل بضرورة معاودة كل حزب لتلك الجلسات النقدية التي كانت تمارس على ما أذكر بالأحزاب والتنظيمات السياسية. تلك الجلسات التي كان يطلق عليها(بالنقد الذاتي) بحيث كافة الأعضاء يقومون بنقد أنفسهم وبنقد رفاقهم على أية سلوكيات يرون أنها لا يجب أن تصدر من أي حزبي فالحزب يعتبر نموذجاً مصغراً للمدينة الفاضلة وعليه ينبغي على كل حزبي تمثل الأخلاق الحميدة والتصرفات اللائقة تجاه كافة الأطراف الاجتماعية ذات العلاقة بالحزب وغيره من الأشخاص والهيئات.. الإجلال والتقدير لشهدائنا ولكافة الشهداء الذين ما يزالون يسقطون حتى يومنا هذا في سبيل هذا الوطن الغالي والموت والعار لأعدائه الجبناء.. رابط المقال على الفيس بوك