بعد أيام قلائل تحل علينا أربعينية المرحوم القريب والزميل والرفيق السابق الأستاذ المناضل عبدالرحمن أحمد مهيوب (رحمة الله عليه) فالمرحوم كان من مناضلي حزب البعث منذ ستينيات القرن المنصرم ولقد استهللت كلامي بالقريب مني فلأنني وإياه وكذا الأستاذ عبدالواحد هواش ننتمي إلى(فخذٍ) واحد والفخذ هو أحد مكونات القبيلة كما عرفنا أو كما عرفنا إياه اباؤنا إلا أننا بعد انخراطنا بحزب البعث وانخراط كاتب هذه السطور في منتصف خمسينيات القرن المنصرم كانت تلقى علينا أو بالأصح تقدم لنا برامج التثقيف الحزبي التي تجرم كل أشكال التعصب القبلي والطائفي.. إلخ وكانت البرامج الوحدوية والقومية والوطنية هي التي تطغى على ما دونها من البرامج، إلى درجة أنه يحرم على كل حزبي استخدام لقبه القبلي أو الطائفي أو اسم الشهرة ولايمكنه تذييل اسمه بالمعاملات العامة ووثائقه الشخصية بما يشير إلى تميزه بأي فارق اجتماعي، أو مناطقي وقبلي، وحتى لا أخرج عن الموضوع الذي أنا بصدده، فأعود إلى مستهل الحديث الذي استهل بالقريب، ثم بالزميل وذلك أننا كنا قد عملنا سوياً في أواخر 1967و1968م في مدينة تعز بمجال الإعلام، حيث كلفت بالقيام بأعمال مكتب إعلام تعز وكلف المرحوم بإدارة إذاعة تعز وتجدر الإشارة هنا إلى أن مكتب إعلام تعز قد كان منوطا به آنذاك مسئولية إصدار صحيفة «الجمهورية» وكذا إذاعة تعز. ولقد كانت أياماً عصيبة ومجيدة في آن واحد كانت البلاد تمر بأخطر مراحل الثورة والمقاومة الباسلة، حيث تصور أعداء الحياة أن انسحاب القوات المصرية الشقيقة يعني خلو الجو لهم، ولأيامهم المظلمة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، ولكن هيهات لهم ذلك فقد هب رجال المقاومة الشعبية الباسلة في وجه أعداء الحياة، هبة رجل واحد، وقد كان يوم الثامن من فبراير عام 1968م يوماً مشهوداً، يوم أن طوقت قوى الثورة والجمهورية فلول المرتزقة من طريق الحديدة – صنعاء وطريق(الجميمة – أرحب) وكانت إذاعة صنعاء قد تعرضت للضرب أكثر من مرة إلا أن إذاعة تعز لم تكن موجهة ضد المشاريع الاستعمارية وحسب وإنما أخذت تصب نيران أضوائها صوب فلول الملكية وأذنابهم وكذا بقية الوسائل الإعلامية.. علماً بأن إذاعة تعز بعد جلاء الاستعمار من جنوب الوطن ركزت كل برامجها صوب دحر الحصار الذي دام سبعين يوماً على مدينة صنعاء وكان نهايته شهر فبراير، ففي تقدير العديد من المراقبين أن ذلك الحصار الغاشم وبتلك الشراسة والوحشية قد كان لايقل أهمية ومكانة من ليلة السادس والعشرين من سبتمبر ليلة نجاح الثورة، علماً بأن ذلك الحصار يأتي امتداداً لخطط وبرامج وعقول عشرات من خبراء الارتزاق بالعالم الأوروبي، مدعوماً بأطنانٍ من الذهب حيث كان المرتزق اليمني في بعض المناطق التي كان يسيطر عليها الملكيون يدخل إلى أية(سمسرة) للفطور فيطلب فطوراً وبيده حفنة جنيهات ذهب يرميها في وجه صاحب السمسرة بغرور وافتخار واختيال.. نعم هذه حقائق لكن إرادة الشعوب هي فعلاً من إرادة الله فقد انتصرت وبقي الشعب اليمني. وأما قولي للمرحوم بالرفيق السابق فلأنه كان من مناضلي حزب البعث العربي الإشتراكي، أما كاتب هذه السطور فإنه قد ترك العمل الحزبي في أواخر السبعينيات من القرن المنصرم لأسباب خاصة به.. أما المرحوم فإنه كان يمتلك طاقة غير عادية في المسار النضالي. ولقد كانت ظروف السنوات الأخيرة أقوى من استمرار العلاقات الإنسانية بين أبناء المجتمع، حيث تمر علينا أيام وأشهر وسنوات لايرى فيه أحد منا صديقاً له أو عزيزاً وزميلاً إلا أنني قد كنت محظوظاً لرؤيته قبل حوالي ستة أشهر من وفاته وفي مناسبتين سعيدتين كانت الأولى تكريم نقابة الصحفيين لعدد من الصحفيين وكنت واحداً منهم، والمناسبة الثانية زواج الأخ الأستاذ التربوي عبدالرحمن عبده سعيد لنجليه، دعيت لحضورها فعرف المرحوم بوجودي هناك وحرص على الحضور لمقابلتي بالرغم من أنه قد كان بذلك اليوم خارجاً من المستشفى الذي يجري له الغسيل الكلوي المعتاد..فلاحظت أنه كان يتمتع برباطة جأش عالية غير هياب أو وجل من المحتوم والمقدر وإنما كان يعيش وقته كما ينبغي وهذه هي سمة المناضلين الأشداء.. الرحمة والغفران له سألين المولى أن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وعزائي الحار لأولاده مازن وبشار وكافة أسرته..إنالله وإنا إليه راجعون.