يحظى التجمع اليمني للإصلاح بالنصيب الأوفر من النقد، بل يتهم ويواجه بتبعات وإخفاقات الحكومة في قضايا كثيرة، باعتباره “واجهة الحكم” الأبرز حالياً، رغم أن نصيبه يقترب قليلاً من ثلث حصة المؤتمر الشعبي العام في الحكومة، وهذا أمرٌ يمكن قراءته في سياق، كونه أكثر الأحزاب السياسية تنظيماً وحضاً في قيادة البلاد مستقبلاً، وليس في هذه المرحلة الانتقالية شديدة الحساسية التي تمر بها البلاد. أهم ما يحتاجه الإصلاح، حالياً، هو تعزيز قدراته في إدارة خلافاته مع التيارات والآراء المغايرة، والتجرد من أي حساسيات أو عصبيات سياسية أو دينية، يستحضرها أحياناً في مواجهة قوى أخرى، بعضها يندفع لمبارزته بأدوات متخلفة، لجره للدخول في معارك خاطئة، للنيل من حظوظه في التحول “الجذري” إلى حزب مدني، أكثر كفاءة وأهلية لحكم البلاد بطريقة متقدمة. ويأتي في طليعة أولويات الإصلاح، تحقيق استقلالية فريقه الحكومي عن الحزب، وإن كان له من سلطة في توجيههم، فبالتأكيد على عدم إدارة الوزارات بعقليات الدوائر المتخصصة في إطار الحزب، بل بالتعامل مع الجميع كمواطنين، دون أدنى تمييز، تبعاً لاعتبارات سياسية او جهوية أخرى. ومن الخطأ أن ينبري، إعلام الإصلاح، وناشطوه، لخوض معركة الدفاع عن أي وزير أو مسؤول حكومي، ينتمي للحزب، في مواجهة أي انتقادات توجه لأدائه، إذ إنه ليس وزيراً للحزب، الذي أوصله إلى منصبه، بل شخصية عامة، ينبغي أن تكون تحت مجهر الرقابة العامة، بما فيها إعلام وقاعدة حزبه، تكريساً لمبدأ المسؤولية، والشفافية، وللوزير، أدواته الخاصة في الدفاع عن إدارته. تلك، ليست مثلبة الإصلاح وحده، بقدر ما هي مشترك تتقاطع فيه معظم الأحزاب الشريكة في الحكومة، التي تنبري للدفاع عن أي وزير ينتمي إليها، في مواجهة النقد، أو التهديدات، وكأنه ليس أكثر من عضو في الأمانة العامة للحزب.. الحزب يبقى كذلك حتى إن وصلت كوادره إلى سدة الحكم، ويكون أكثر قوة واحتراماً كلما من استقلاليته عن الحكومة التي يقودها أو يشارك فيها. بعد 23 عاماً من تأسيسه، لم يعد الإصلاح بحاجة للنزول إلى مستوى جماعات، غير منتظمة سياسياً، لاستعراض شعبيته، في مواجهتها، لكأنه يتهيأ لنزال من نوع آخر ليس ميدانه السياسة والتنافس السلمي.. ربما يكون الإصلاح، الحزب الوحيد الذي يملك مقاربة واقعية، لحجم شعبيته، وعدد أعضائه، ومناصريه، وهو ما يحتم عليه، ممارسة العمل السياسي بوعي وحنكة في المرحلة الحالية الحرجة، لترسيخ مبدأ التنافس السياسي القائم على البرامج لا العصبيات. وكما نجح الإصلاح كثيراً في تذويب العصبيات الأخرى، لتلتقي عند الخيار السياسي، وإلى حد ما التقارب الأيديولوجي، الذي يرسم جانباً من تركيبته، فهو معني، مستقبلاً، بإقناع الناس، وإزالة هواجسهم، أن التعددية السياسية، في جزئيتها التي يمثلها، ليست شكلاً جديداً من العصبيات، بلون السياسة، وستكون حظوظ كوادره وقاعدته الشعبية من الامتيازات والمصالح الحكومية كغيرهم من المواطنين المؤطرين في كيانات أخرى، أو المستقلين..هو معني أكثر، بالارتقاء بالثقافة السياسية، لقاعدته العريضة، لتتجاوز مفهوم الالتزام الذي عرفت به، إلى المشاركة الفاعلة والحيوية، فغياب التنوع والتعدد في إطار الحزب، والتزام خيار “سمعاً وطاعة”، لا يخدم الحزب، مهما تراءى للقائمين عليه عكس ذلك، إذ لن تمتلك قاعدة ملتزمة حد التبعية - في ظل غياب القناعة أحياناً عدا الثقة بتقديرات القيادة - قدراً كافياً من المرونة يؤهلها لإدارة خلافاتها مع الآخرين، وتشكيل نقاط تقارب والتقاء معها، وإعطاء مساحة واسعة للاختلاف، وهو ما سيجعلها، تتخذ مواقف متطرفة، حالما غيرت قناعاتها في إطار الحزب، أو في مواجهة الآخرين. الأسبوع الماضي شهدت عدن، أحداثاً مؤسفة، طرفاها الإصلاح والحراك الجنوبي، وضحاياها لا دخل لهم في معركة عض الأصابع وإثبات الجدارة بين الطرفين.. لست في معرض إدانة أي منهما، ولا أملك سوى التضامن مع الضحايا، ضد السلطات المعنية، التي تغيب رغم أنها تدرك مسبقاً، احتمالات مآلات الأمور، ولا تحضر إلا للتأبين. أدرك أن شباب الاصلاح كانوا يمارسون عملاً سلمياً ديمقراطياً -في بيئة مفخخة- كما هو مفترض.. يحتفون بنضالاتهم، وربما يستعرض حزبهم قوته هناك، في مواجهة قوى تسيدت الساحة بالديمقراطية أو بغيرها، لكن العتب يبقى قائماً على الإصلاح، كحزب سياسي، يمتلك حضوراً مستفزاً حتى بالنسبة لقوى منظمة سياسياً وفي ظل وضع طبيعي، خلافاً لما هو حاصل في الشارع الجنوبي، وإلى حد كبير في صعدة وما إليها من مناطق نفوذ جماعة الحوثي. ليس منطقياً ولا معقولاً أن يخوض الإصلاح مغامرات كتلك من منطلق التحدي، ومحاولة اجتياز اختبار الصبر، كما صرح بذلك قحطان، في تعليقه على انتهاكات جماعة الحوثي المزعومة في صعدة .. أرواح ودماء الناس، من أعضائه، أو خصومه أو الأبرياء، أولى بالحضور في حسابات السياسة من اجتياز محطات اختبار معلوم بالضرورة حظوظه الوفيرة فيها، حتى في أكثر المناطق عدائية نحوه.. مخاض المرحلة الانتقالية، لن يكون سهلاً على الإطلاق، وجميع القوى السياسية والاجتماعية، معنية بتغليب مصلحة الوطن.. وحين نشير لتلك القوى يكون الإصلاح في صدارتها، وعليه تقع مسؤولية تبني سياسة أكثر رشداً وعقلانية في التعامل مع الفرقاء، بما يوفر أجواء إيجابية لاستكمال التزامات مرحلة التحول، وبدون ذلك لن تكون المحطات القادمة، أكثر من فتيل يعجل الانفجار، وليس انطلاقة نحو بناء الدولة، التي دفع اليمنيون باهظاً ثمن غيابها طيلة عقود من الصراعات الدامية والمغامرات المتهورة على حساب مستقبل أجيالهم المتعاقبة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك