يقول الباحث جمال الألفي في كتابه “الطائفية والحكم في لبنان” الصادر عن كتاب الهلال عام 1984م عن عمق الأزمة في الوضع اللبناني: “ يتميز تاريخ لبنان بقابليته للتكرار، وإن اختلفت الرموز أو الشخوص، هذا النوع من التكرار الذي قد يبعث على الملل، يتميز بخاصية فريدة، قل وجودها في تاريخ الشعوب، إن استمرارية التاريخ اللبناني لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، تجاربها لا تقدم إضافة فهي إلى الأسوأ على الدوام عندما تم وضع جزء من سوريا الكبرى أو ما كان يعرف باسم بر الشام تحت الانتداب الفرنسي، في عام 1918م، احتل الانجليز بيروتودمشق وحلب، وفي عام 1929م أخرجت فرنسا الملك فيصل من دمشق، مابين الأعوام 1934 1936م تم انتخاب حبيب باشا رئيساً للجمهورية فكان أول حاكم تحت سلطة الانتداب، عام 1943م نال لبنان استقلاله وانتخب بشارة الخوري رئيساً حتى عام 1952م، وجاء من بعده الأمير فؤاد شهاب رئيساً من 1958م حتى 1964م ومن عام 1964م حتى عام 12م 1970م كان شارك الحلو يشغل هذا المنصب عام 1975م انفجرت الحرب الأهلية وفي عام 1976م دخلت إليه قوات الردع العربية التي سعت إلى وقف تلك الحرب ولكن دون جدوى، ومن عام 1976م حتى 1982م انتخب الياس سركيس رئيساً في ظل تصاعد الحرب وتوسعها، وكانت قوات دولية عام 1978م من الأممالمتحدة قد رسلت إلى الجنوب وفي عام 1982م تم اغتيال الرئيس بشير الجميل في عملية تفجير لمقره وهو يعد من الشخصيات الهامة في حزب الكتائب، والذي يعد أحد الأحزاب التي قادت الحرب الأهلية وشكل مركز قوة في إدارة الأزمة السياسية في لبنان، كذلك كان للاجتياح الاسرائيلي لبيروت في نفس العام أثره في تصاعد حدة الحرب، وفي عام 1983م دخلت قوات دولية متعددة الجنسيات إلى بيروت لغرض وقف الحرب، غير أن الصراع ظل مستمراً.. من كل هذا التاريخ وغيره، وما مر على هذا البلد من أزمات، كان للعبة الطائفية والمذاهب النصيب الأكبر في إدارة حلقات التصارع حتى تحولت تلك الانتماءات إلى مشاريع سياسية تهدد وحدة تماسكه الاجتماعي والعقائدي والثقافي، وكأن لبنان الصغير في مساحته يحتوي في داخله على أكبر شحنات الانفجار التي قد تذهب به إلى أن يقام دويلات تجعل من المنطقة دولة ومن الطائفية انتماء قومي. لم تكن الحروب المسلحة والأزمات السياسية مجرد اختلافات في الرأي، فكل فريق سعى إلى جعل ذاته هي من يقدم صورة الوطن، غير أن الكل لم يطرح سوى لغة السلاح العاجزة عن انتاج المشروع القومي وحقوق المواطنة. يقول الكاتب محمد إبراهيم بسيوني في كتابه المؤامرة الكبرى حول تقسيم لبنان إلى عدة دويلات : “ وفي الخرائط أيضاً تقسيم للجمهورية اللبنانية على أساس طائفي غير موجود على الأرض، ولكن العقلية الامبريالية الساعية للهيمنة على العالم تفترض وجود الطوائف وتفترض أنها قادرة على إثارة الفتن بينها وتقسيم الدولة العربية تبعاً لمزاجيتها». وفي خارطة تقسيم لبنان نجد عدة دويلات هي : 1 دويلة بيروت 2 دويلة سنية في الشمال عاصمتها طرابلس 3 دويلة بعلبك 4 دويلة مارونية عاصمتها جونية 5 كانتون فلسطيني في الجنوب صيدا 6 كانتون كتائبي في الجنوب 7 كانتون صهيوني في الجنوب 8 دويلة درزية في أجزاء من الأراضي اللبنانية والسورية و الاسرائيلية؟ تلك هي خارطة لبنان الدويلات، وهذه الأصوات التي أخذت في التصاعد في هذه الفترة، حيث هناك مشروع تقسيم المناطق حسب الطائفية والمذهب، وكأن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه تجري في مسراها، والأخطر من هذا حالة الحرب التي تدق أبواب هذا البلد من جديد عبر الاغتيالات والتفجيرات والخلافات والأزمات، كذلك التدخلات الخارجية التي لا تخلو مشكلة منها.. يقول الكاتب اسامة عبدالرحمن في كتابه مؤامرات تقسيم الأمة العربية :«شاء المخطط أن يعود مجدداً، فالذي لم يحدث سنة 1976م عاد ليطل برأسه سنة 2006م بعد ثلاثين سنة في محاولة جديدة لتقسيم لبنان بعد تقسيم العراق وبعد تقسيم الضفة الغربية بالجدار العازل تمهيداً لتقسيم المنطقة كما رسمه المخطط الصهيوني الدائم». وذكر السفير ريتشارد باركر الذي مثل دبلوماسية بلاده في لبنان في مطلع الثمانينات، بأنه كان دائماً من أشد الرافضين لفكرة قيام الكانتونات في لبنان خلال فترة وجوده في بيروت غير أنه يرى الآن أن هذا هو الحل الأمثل لخروج هذا الوطن من أزماته المتواصلة. وأضاف: إن هذه الصيغة يمكن أن تطبق وفق ماهو معمول به في الولاياتالمتحدة الأميركية وفي سويسرا، مع العلم أن هناك أكثر من عشرين دولة في العالم تعتمد النظام الفيدرالي ومن الطبيعي أن ينجح في لبنان، لأنه يعترف بتركيبة المجتمع ونصوصية كل طائفة من طوائفه. إن هذه السياسة الزاحفة على جسد العالم العربي والهادفة إلى تحويله إلى دويلات، لا تأتي من فراغ بقدر ما تدل على الأمراض الناخرة في وضع هذه الأمة. لقد ظلت المذاهب والقوميات والأديان والطوائف و القبلية والعقائد من مكونات العالم العربي لعقود من الزمن، و حتى في زمن التصارعات لم تطرح كمشاريع سياسية كما هو حاصل في الراهن، هل كان الغرب يترقب هذا التاريخ ويدرس سلبيات ومفارقات كل مرحلة حتى يضع خططه حسب تصدع كل فترة ؟ من يقرأ التاريخ في هذا الجانب يدرك أن الحضارات والأمم لم تمزقها وتدمر وحدتها، وتزرع الحقد والكراهية بين أبناء أوطانها غير التناحر القائم على المذهبية والطائفية والمناطقية.. هي الأخطر لأنها ترحل قوة تدميرها في داخل النفس من حقب إلى أخرى وتجعل كل ماهو ذاتي المركز الأوحد الذي لا يرى غير مما يرى هو ، وفي كل هذا تتحول تلك الجزئيات إلى شرائع وقوانين تحكم من منطلق القداسة التي لا يجوز الخروج عنها، أما غير هذا لا يكون سوى الموت، لأن الفردية هي العجز في الرؤية. رابط المقال على الفيس بوك