خلال العمل مع حملات النظافة المتعددة التي شهدتها محافظة تعز لمدة عام كامل اكتشفت أننا مجتمع متفكك وليس لديه فكرة كاملة عن التنمية المجتمعية وأيضاً مجتمع لا يجيد الإصغاء إلى صوت الحضارة بمعناها الحقيقي ويفتقر إلى وجود آلية صحيحة لإنفاق قدراته وطاقاته البشرية، في عدة بلدان عربية وأجنبية تنفذ فكرة “بنك الطعام” بشكل كبير جداً وبما يغطي شريحة واسعة من الفقراء والمعوزين الذين لا يملكون قوت يومهم وأما نحن فلا زالت حاويات النفايات هي البنك الذي يستهلك فائضاً من الطعام دون أن يحقق أي ربحية دنيوية أو أخروية، وأعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى وجود نوايا معطلة لم نحسن إصلاحها وإعادة تاهيلها للعمل ضمن احتياجات المرحلة الراهنة، إذاً فإن الحاجة إلى إيجاد برنامج استيعابي يهدف إلى احتواء الطاقات الشبابية المتمكنة وتوظيفها في مشروع بنك الطعام الذي يعد من المشاريع الطارئة لكنه من المشاريع المستدامة أيضاً سواءً كانت الأطراف المستثمرة فيه مؤسسات وجهات ذات علاقة باستيراد المواد الغذائية داخلياً أو كانت تلك الأطراف مجاميع فردية وتسعى إلى نشر ثقافة الاستهلاك الواعي والذي يأتي كتفسير حديث للآية الكريمة التي يقول فيها ربنا عز وجل “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا”.. فالفائض الذي يسكن بطون الحاويات يجب أن يكون وجبة تسكن جوف فقير تحترق أحشاؤه جوعاً وعطشاً، والأمر لا يحتاج إلى وجود خطة خمسية أو وقوف على صوت الأغلبية أو تصريح بالمزاولة، بل هو أبسط من ذلك وأرقى وأكثر قرباً من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه” صدق رسول الله، فهي مسألة تعاون فقط ويقين بما عندالله من ثواب وهي مسألة إعمار للأرض بالمعنى الحقيقي لها لأن بناء المجتمعات المترابطة والحية والنابضة بالألفة يتطلب جهداً واحترافية خاصة ورغبة غير منقطعة وإن فترت لتحقيق التوازن بين طبقات المجتمع. إن تلك المبادرات التي يقوم بها أشخاص عاديون لكنهم صادقون في حب أوطانهم هي من غيرت في بعض البلدان سير السياسات الداخلية لتلك البلدان ولفتت النظر إلى ضرورة استثمار الجهود المحلية والثروات الداخلية المهدرة وحسن استغلال الفائض من قطعة الخبز الملقاة على المائدة إلى كمية الجهد البشري المبذول لتدوير عجلة الاقتصاد الوطني، وهذا يدخل ضمن سياسة الاقتصاد العالمية الجديدة القائمة على إعادة التصنيع والاستفادة من الثروات المهدرة وتحويل مسار الطاقة لامتصاص الأزمات الداخلية للوطن.. وبالرغم من إن منظمات المجتمع المدني هي من تتولى غالباً إحياء هذا السلوك الاستثنائي على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي إلا أن للحكومة دور كبير وفعال أيضاً لتقديم التسهيلات الضرورية لإنجاح مثل هذه الأعمال وتسويقها وتغذيتها بالمشاركة الجماعية الفاعلة أياً كان نوعها مع عدم إغفال أهمية التمكين لها وإعطائها المساحة الكافية للعمل والإبداع. يجب أن تكون هناك خطط هادفة لتحقيق استثمار الفائض من كل شيء، وفي كل حي من أحيائنا، وأن يكون هناك عنوان يقصده الجائعون ومن وقفت في طريقهم مصاعب الحياة حتى عزت عليهم اللقمة وتجافى عنهم الكساء وغفلت عنهم قلوب الناس، وإلا فأين الإسلام منا واين نحن منه؟! هل يجب أن ننتظر حملات الإغاثة التي تأتي لتقديم الطعام باليمنى والكتاب المقدس باليد اليسرى؟! لنكن مسلمون حقيقيون نقول ونفعل وكل من لديه الاستعداد لتقديم العون والتأسيس لهذا المشروع الإنساني حتى بمعناه الأصغر والبسيط باستثمار ما يمكن أن يلقى من الطعام في حاويات المخلفات، من يستطيع ذلك فنحن معه وعناويننا لا يجهلها أصحاب النوايا الحسنة والإحساس الصادق والرغبة في التجارة مع الله الذي لا تضيع ودائعه ولا تحصى نسبة الأرباح معه ولا تفلس خزائنه، يدنا في أيديكم من أجل تمزيق قناع الجوع الذي يرتديه المئات في الشوارع رغماً عنهم ودون أن يلتفت إليهم أحد، نشطوا الأعمال الطوعية وفعلوا طاقات الشباب وهلموا للمرابحة مع ملك الملوك. رابط المقال على الفيس بوك