وطن غني بطبيعة متفاوتة جغرافياً ومعتدلة اجتماعياً وثقافياً وثري جداً بموارد بيئية وبشرية تفوق طاقته التشغيلية المستهلكة، لكنه ومع كل هذا فقير جداً ببرامجه الاستثمارية وعاجز فعلاً عن استيعاب حجم المخزون البشري لديه، كما أنه يفتقد لإيجاد خطه توفيقية تعمل على المواءمة بين إمكانياته واحتياجاته الاقتصادية. نفتقد في اليمن لسياسة بناء الفرد وإعطاء الإنسان مساحة كافية من الحقوق التي تضمن تطوره الفكري والنفسي والاجتماعي والذي يخلق بالتأكيد مناخاً جيداً لظهور إنسان المرحلة الذي يستطيع أن ينهض بمستوى مجتمعه من حضيض المديونيات إلى قمة الاكتفاء الاقتصادي . ولكن ولأن مجتمعنا وحكومتنا تؤمن بالسيادة وتستخدم السلطة كأداة لتحقيق التفوق فإن الفرد في هذا المجتمع عُرضه للاستهلاك وال(تشليح) شأنه شأن أي آلة تُسرق (بضم التاء) وتباع كقطع خردة. الفضيحة الإنسانية التي تناولتها قناة (mbc1) والتي عرضت بوضوح في برنامج الثامنة مع الإعلامي السعودي داوود الشريان حجم الخطر الذي يتعرض له أطفال اليمن الذين يتم تهريبهم إلى دول الجوار للاستفادة منهم في بيع الأعضاء والتسول والتهريب والاستغلال الجنسي والعمالة غير المشروعة.. تلك الفضيحة أظهرت حجم الإنسان في دولتنا ذات التشريعات الدستورية المعترفة بحق الإنسان في الحياة الكريمة، فأين هي الحياة الكريمة وهناك من يبيع فلذات أكباده بدراهم معدودات سواءً ما كان منها بطريقة مشروعة أو كذلك الذي أظهرته تلك الشاشة من أمر الإتجار بأطفال اليمن؟ كل شيء في اليمن يباع، كل شيء يمكن أن يكون بضاعة مزجاة، كل شيء يمكن أن يكون معروضاً وتحت الطلب، موانؤنا، النفط والغاز على أراضينا، أطفالنا، ثم نساؤنا في آخر أخبار العرض والطلب أن بعض دول الجوار فتحت أبوابها لاستقبال العمالة اليمنية النسائية من باب التخفيف من حدة البطالة المقنعة وفتح أبواب جديدة للرزق! فهل سترضين أيتها الحكومة ببيع نسائك كما رضيتي قبلاً ببيع رجالك ثم أطفالك؟! هل ستبقين بيئة طاردة لأبنائك؟! إن ما يمزق القلب حسرة ومرارة ذلك الضياع الذي بدا واضحاً في أعين الأطفال ومفرداتهم وهم يتحدثون عن العصابات المنظمة التي تسربهم إلى خارج الوطن برضى الأهل حيناً وخلسة عنهم أحايين كثيرة.. وهذا يظهر أيضاً طفرات التمرد والعقوق والانشقاق عن كيان الأسرة والتي بدأت تظهر خلال السنوات الأخيرة نتيجة لفقدان مدلول القيم الأسرية السامية وانطفاء روح الولاء للوالدين والفهم القاصر والخاطئ لمعنى الحرية والاستقلال والاعتماد على النفس أضف إلى ذلك الانبهار بالمستوى الاقتصادي لدول الجوار مقارنة بالمستوى الاقتصادي الذي يعيشه الوطن وهذا ما خلق نوعاً من المقارنة السلبية بينهما وما ترتب على ذلك من سخط على الذات بكل ما تحمله من قيم والانضمام إلى قوافل الغادين إلى تلك الدول المترفة والمرفهة إلى أقصى حدود الترف المادي. إن تلك الرسالة الباكية التي قرأت أسطرها بمرارة شديدة في عيني السيد أحمد القُرشي رئيس منظمة سياج والأخت منى سالم ممثلة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والأخ رئيس مركز الحماية الاجتماعية لمنطقة حرض جعلتني استشعر حجم الدور الذي يجب أن نؤديه كل في مكانه ووفق ما تقتضيه مصلحة الوطن تجاه هذا الجيل الذي هرب منه تسعة آلاف طفل وفق تقرير اليونيسيف حتى عام 2004م والإحصائية في ازدياد خلال العامين الأخيرين جراء الأحداث المؤسفة التي شهدها الوطن، هذا الجيل الذي أقف عاجزة عن وصف حاله حاضراً ومستقبلاً يمكن أن يكون بؤرة جديدة من بؤر الفساد والعنف الذي يعانيه المجتمع وهذا تباطؤ تام من أسر لا تقدر قيمة أفرادها وليس لديها استعداد لتحمل المسؤولية وحكومة تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات محلية ودولية عن تلك المواثيق والقوانين والاتفاقيات الناصة على رعاية الطفولة وتحقيق مطالبها الأساسية الفضلى وعجزها عن حماية أفرادها كباراً كانوا أم صغاراً، ودول جوار ترفل بثياب الرفاهية وتنسى فقراء العالم من حولها مكتفية بتبرعات وهبات لا تمثل شيئاً أمام ما حباها الله من نعم.... فإلى متى تستمر قصة الطفولة البائسة؟! رابط المقال على الفيس بوك