قد يتفق معي بعض القراء والمتابعين على أننا جميعاً - أو لنقل غالبيتنا - نردد نفس الشكوى في كثير من الأحيان، ونعبر عن امتعاضنا عند مشاهدة كثير من المواقف والسلبيات التي شهدها مجتمعنا اليمني بنفس القدر من الحنق والضيق، وأيضاً بنفس القدر من الاتفاق!! وأن نقاط الاختلاف لا “الخلاف” – أو أغلبها - قد تعود إلى الموقع الذي يتخذه كل واحد منا من الحدث، وإلى الزاوية أو الجانب الذي ينظر منه كل واحدٍ منا إلى ما يظنه أو يدعوه “حقيقة” أو “حقاً” أو “باطلاً”، أو “خطأ”، أو “صواباً”، أو “ظلماً” أو “عدلاً”، وهذا الاستنتاج سجلته من خلال ملاحظتي لكثير من ردود الأفعال المعبر عنها لفظياً أو كتابياً على كثير من الأحداث والظواهر التي شهدها مجتمعنا اليمني، خلال مراحله وحقبه التاريخية المختلفة. وفي نفس الإطار، يمكن ملاحظة أننا عادة ما نطرح ذات الحلول والبدائل التي قد يطرحها الآخرون حول كثير من تلك القضايا، وإن قدر لنا أن نقترح – بإرادة منفردة ومستقلة - آليات لتنفيذ تلك الحلول فلربما سنطرح نفس المقترحات لأغلب قضايانا، وعندما نلتقي نكون متفقين وموحدين – ربما لدوافع مختلفة لا “خلافية” - حول كثير من القضايا والآليات والحلول والطموحات، حتى إن بدأ ظاهرياً عكس ذلك. فبماذا نفسر كل هذا “الخلاف “لا” الاختلاف”؟ وبماذا نبرر وصولنا في كثير من المراحل التاريخية في حياة شعبنا اليمني إلى خياراتٍ حدية متطرفة، وغير معقولة تقود في كل مرة إلى تجدد دورة “الصراع”؟ - هل هو طبع العناد الذي يدفعنا – أو غالبيتنا - إلى رفض كل ما يطرحه الآخرون من حلول وبدائل وآليات، حتى إن كنا في أعماقنا نقبل بتلك الأمور، ومقتنعين بمعقوليتها وصوابها؟ - أم هي الرغبة في التميز عن الآخرين، التي تدفع كثيراً منا إلى إنكار وهدم إنجازات الآخرين، ومحاولة إعادة البناء من الصفر في كل مرحلة جديدة، وربما بذات الآليات والطرق التي رفضناها وأنكرناها على الآخرين؟ (ما يؤدي إلى غياب التراكم والاستمرار اللازمين لعملية التنمية = التراكم والتطور) - أو ربما هي عقدة التفوق وصفة الغرور والكبر والاستعلاء، التي يظنها أكثرنا في نفسه قياساً برأيه في الآخرين؟ الأمر الذي يجعله يبخس الناس أشياءهم، ويرفض بضاعتهم، وإنجازاتهم، ويتنكر لكل فكرة تأتي منهم مهما كانت رائعة وعظيمة؟ (من باب عين الرضا عن كل عيب كليلة ... وعين السوء تبدي لك المساويا) - ترى بعد كل هذا الرفض للآخر، وعدم القبول بوجوده، والشك في كل نواياه، ...، هل يمكن أن ندخل إلى الحوار الوطني بمثل هذه العقليات والنوايا؟ وهل يمكن أن نتوقع خيراً في ظل مثل هذا التفكير (الأنوي نسبة إلى الأنا) أو الأناني والآني والمصلحي؟ - ألم نعي بعد أن الحوار يفترض جلوس جميع الأطراف حول طاولته، بعد التخلص من كل عقد الماضي وسلبياته وأحقاده؟ ويتطلب التطلع إلى المستقبل بدلاً من الانشداد إلى الماضي؟ - ألا ندرك أن مصير ملايين الناس، وتاريخ هذه الأمة، ومستقبلها يقعان “أمانة” على عاتق كل مشارك في هذا الحوار ليس بصفته ولا بشخصه لأنه لا يمثل نفسه ولا يعبر عن رأيه الشخصي، ولكن لأنه يمثل جميع أبناء الشعب ويعبر عن طموحاتهم وتطلعاتهم التي يتوجب عليه “الدفاع” عنها بكل “أمانة”؟ - هل يدرك كل المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني أن المشاركة في مؤتمر الحوار لا يجب أن تدخل فيها العمليات الحسابية (كم سنكسب، أو كم سنخسر)، ولا هي سجال كلامي يتبارى فيه المتحاورين من أجل دحض حجج الآخرين وبيان “تهافتها”، ولا هي كذلك، معركة يتبارز فيها المشاركون من أجل أن تفرز “جولاتها” (رابحاً - وخاسراً)، ولكنها عملية تاريخية تقتضي النظر للمصلحة الوطنية العليا التي ستصب فيها جميع المصالح الذاتية والحزبية والمناطقية والمذهبية، وأن الأصل فيه أن الجميع سيكسب أو سيخسر (الكل رابح)، أو (الكل خاسر)؟ - أخيراً، أتمنى أن يدرك كل المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني أنهم “بقولهم”، و”فعلهم”، و”تعقلهم”، و”تنازلاتهم”، و”إيثارهم” للمصلحة الوطنية العليا وتقديمها على ما عداها من “مصالح”، سيصنعون مرحلة جديدة في تاريخ الوطن اليمني، وسيخلدون في ذاكرة الشعب اليمني، وأنهم أمام منعطف تاريخي هام في تاريخ الوطن اليمني بأكمله، وأنهم سيشكلون بقراراتهم ملامح ومعالم المرحلة القادمة بخيرها إن شاء الله، أو بشرها لا قدر الله، وأن عليهم أن يتذكروا أن التاريخ لن يرحم كل من شارك فيه ولم يلتفت لتلك المصلحة، ولم يدرك تلك الحقيقة، ولم يسع من أجل إعلاء راية “الحق” دون مزايدة، وقول “الحقيقة” دون مواربة، والدفاع عنها دون خوف أو خجل. وفق الله الجميع إلى ما فيه خير ومصلحة البلاد والعباد، إنه سميع مجيب الدعاء. رابط المقال على الفيس بوك