رحم الله الامام البوطي الذي مثل مقتله جريمة بشعة بكل المقاييس، ومهما قالوا وقلنا فإن علمه قد بلغ الآفاق وتتلمذنا على كتبه ومحاضراته فمن فاته الأخذ منه فعليه بالعودة الى الحكم العطائية التي شرحها بطريقة فلسفية وفسرها للقارئ العام ، وقبل كل شيء أقول ليس لنا من الشيخ إلا علمه أما موقفه السياسي فلا حاجة لنا به، خاصة وانه لم يكن الا من اهل الروح لا من اهل السياسة، وانا هنا اشدد على ان اقحام علماء الشريعة في السياسة بدون ان يكون لديهم باع فيها هو من الغفلة التي حطت على الأمة وغشيتها. كل ذلك له اسبابه ومنها ان فريقا تسمى بالحداثة وهو ليس لها بأهل وكل حظه من التسمية انه وصل الى نتيجة حتمية ان الاسلام هو سبب كل تخلف نعيشه، ونسي هذا الفريق ان الانسان سيد نفسه في هذه الارض يضع نفسه حيث يشاء ،وبدلا من البحث عن حل للحال ذهب هذا الفريق الى توصيف خاطئ للإسلام ذاته واخذ يشنع به. السبب الآخر وجود فريق كبير من المسلمين يمضون خلف العلماء دفعهم الى ذلك عاطفتهم الاسلامية وقراءتهم المنقوصة للتاريخ الاسلامي عموما وتاريخ العلماء الاعلام خصوصا وربط بين فقهاء اليوم وبين علماء الامس ولم يكتشفوا ان علماء الامس كان لهم دور في الحياة السياسية والاجتماعية كالعز بن عبد السلام وابن تيمية وغيرهما، بينما فقهاء اليوم مشغولون بتخصصاتهم وحياتهم البعيدة عن الناس. السبب الأخطر هو فهم الحكام لعاطفة شعوبهم تجاه العلماء والفقهاء فقاموا باستغلال العلماء ودفعهم لتأييدهم في مغامراتهم السياسية الفاشلة وبدلا من الاستعانة بخبراء السياسة استعانوا بخبراء الفقه وخلطوا على الناس امورهم. استغل بشار الشيخ البوطي الذي ما عرف السياسة ولا الف فيها ولا درسها ولا ترك لنا اثرا من ذلك. يقع علماء وفقهاء الشريعة في اسر الحكام أيا كانوا فبشار العلوي النصيري استغل علما سنيا له أثره في العالم مع انه لا بشار ولا طائفته يؤمنون بالحكم العطائية التي شرحها شيخ السنة وامام الروح البوطي رحمه الله والذي قيل انه كان يعيش تحت الرقابة المستمرة من عهد حافظ الاسد الى درجة ان هناك من يقول انه كان تحت الاقامة الجبرية . ومع اني لست متأكدا من القول الأخير الا انه يتوجب علينا جميعا تحرير فقهائنا من قمع واسر الحكام وليكونوا مراجع للأمة بعيدا عن التضييق عليهم وحشرهم في زوايا ضيقة كالأحزاب وغيرها ليتسنى للأمة ان تنهل من علومهم واصلاحهم للقلوب والعقول وتستفيد من هدايتهم وانوارهم الربانية. من قتل الشيخ البوطي؟ وقبل الاجابة علينا التركيز حول من المستفيد من قتله في هذه المرحلة التاريخية ومن الذي استثمر موته كما استثمر حياته، وتتجه الاجابة عليه في ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الاول: هو ما يريد نظام دمشق ان نصل اليه جميعا وهو توجيه اصابع الاتهام للثورة السورية وهذا مستبعد جدا فقد نفت الثورة السورية واستنكرت مقتل الشيخ الذي اختلفت معه منذ اندلاع الثورة، كما انه ليس من مصلحتها قتله وكثير من كوادرها تربت على يديه وعلى منهجه وكتبه التي وصلت الآفاق . الاتجاه الثاني : نظام بشار الاسد وهو المستفيد من قتله ، وبعد ان نجح رئيس وزراء تركيا اردوغان في كسب ثقة الاكراد وبعد خطاب عبدالله أوجلان التصالحي مع الاتراك والذي دعا فيه الى إلقاء السلاح والبدء في المفاوضات بيوم واحد فقط تم اغتيال الشيخ البوطي ذي الاصول الكردية، وللعلم فإن نسبة الاكراد - بسنتهم وعلوييهم ومسيحييهم- تكاد لا تقل كثيرا عن نسبة العلويين في سوريا ، وهذا الاغتيال رسالة واضحة لضرب هذا الاتفاق الذي يدعم الاستقرار في تركيا والمنطقة المحيطة ، وتركيا بهذا الاتفاق تمهد للمستقبل الذي تريد ان تلعب فيه دوراً اكبر من دورها الآن ، وهي الداعم الرئيس للثورة السورية والجيش الحر والمعارضة التي شكلت قبل ايام حكومة سورية في إسطنبول . كل هذا يدعونا للقول بأن النظام عمل على خلط الاوراق وإنه بقتل الشيخ سيجعل الأكراد (والشيخ منهم) يلتفون مع النظام اقتصاصا من الثوار. الاتجاه الثالث : تنظيم القاعدة الذي يجري اتباعه وراء النصوص والتصريحات والتلميحات الجامدة، خاصة اذا ما زرنا أي موقع من مواقعهم على الانترنت أو مواقع القريبين منهم فكريا لوجدنا فيديوهات ورسائل ومحاكمات علنية للشيخ البوطي وقد تمت عندهم محاكمته غيابيا بناء على نصوص قالوا انها له . بعد مقتله بساعات قرأنا لأنصار جماعة فجر دمر الانتقامية التي تريد دك سوريا بمن فيها من ثورة ودولة ونظام ومعارضة ان بعضا من المشايخ والدعاة لن يصلوا على البوطي صلاة الغائب كما يفعلون ذلك مجاملة مع مشايخهم، وللأسف وقف خلف هذه الخزعبلات صف طويل من المتدينين لله بالقتل والانتقام وفي مقدمتهم من يفهمون ان الربيع العربي أو أيا من ثوراته هو خروج مسلمين ضد حاكم او نظام كافر ، وهم لا يعلمون انه ليس من بين اسباب الربيع العربي التي نعرفها سبب الكفر هذا الذي يدعونه، وهي غالبا اسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ،وهي متشابهة في كل دول الربيع العربي. الى جانب ذلك هناك ملاحظة علينا اعادة قراءتها فعند اعلان حكومة الثورة السورية في اسطنبول تساءل احمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة السورية متى ستكف بعض الدول عن إرسال شبابها لتتخلص منهم في سوريا؟ وهذه النقطة تشير صراحة الى دعم تلك الحكومات تنظيمات مشبوهة من ضمنها القاعدة خاصة ان معظم تلك الانظمة لا تريد وصول الاخوان للسلطة لا في سوريا ولا في غيرها من دول الربيع العربي. ولو اخذنا ايضا بالاعتبار موقف الإمام البوطي من الوهابية أو السلفية عموما وفي كتابيه اللامذهبية اخطر بدعة في الشريعة الاسلامية والسلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب اسلامي، ما يغني في هذه المسألة ، وفعل انصار هذه المدرسة لهذه الجريمة أو التشفي بها أو التسويغ لها يخرجنا من ادب الاختلاف في الرأي الى القول بقتل صاحب الرأي المخالف. وحقيقة انا لا استبعد ان تكون جماعة مشبوهة هي من قتلت الشيخ مدفوعة من التيارات المتعصبة ، وذلك ايضا بغرض خلط الاوراق في المنطقة لصالح بعض الدول التي تريد ان يكون لها يد في سوريا ايضا. لكني مع ذلك ارجح ان المستفيد من مقتل الشيخ هو النظام ومن يقفون خلفه ، خاصة اذا ما علمنا ان الشيخ برغم فتاواه ضد ثورة سوريا لم تقنع الشعب ولم يتبعه الناس كما كان يظن النظام السوري. ومن حقنا ان نتساءل وننقل تساؤلات الجمهور وهي تتمثل في : كيف استطاع انتحاري يحمل كمية من المتفجرات ان يدخل ويقتل الشيخ البوطي و42 شخصا؟ كما ان موقع مسجد الايمان الذي تمت فيه الحادثة ملاصق لفرع حزب البعث في دمشق ، وهناك كمية كبيرة من الحواجز المحيطة بالمنطقة القريبة اصلا من السفارة الروسية كما انه في نهاية الشارع الذي يقع فيه المسجد تقع هناك شعبة التجنيد العامة والبنك المركزي.. وكل ذلك يدعو للشك كيف سيمكن لانتحاري تجاوز كل ذلك ونسف المسجد بمن فيه. واذا نظرنا للفيديوهات المنشورة عن المسجد لا نجد اثرا للتفجير الذي ينتج الحرق ، وكأن العملية ليست سوى تصفية بالرصاص لعدد 42 شخصا وهذه لن يقوم بها شخص واحد وانما مجموعة اشخاص وهذا كله يؤيد ما ذهبنا اليه ان النظام هو من فعلها والا كيف تقوم مجموعة مسلحة باختراق تلك المنطقة الاشبه بالثكنة العسكرية والقيام بهذه الجريمة ولم يعلن النظام عن فاعلها وانما قال تفجير. على كل حال دماء الشيخ لن تذهب هدرا وستكون لعنة على النظام سواء فعلها أو سهل لغيره فعلها، فقد سقط اهم اعمدة دمشق حفيد صلاح الدين وهو الشيخ البوطي ،وهذا ينذر بسقوط دمشق بعده ودماؤه ستكون لعنة على من قتله. رابط المقال على الفيس بوك