في اللامركزية الإدارية يجري فقط تداول السلطة الإدارية (التنفيذية) بين الحكومة المركزية، والوحدات الإدارية.. فيما توزيع السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، بين الدولة الاتحادية وحكومات الأقاليم، سمات حصرية للفيدرالية (اللامركزية السياسية).. غير أن الممارسة العملية لا تأخذ بهكذا تأطيراً نظرياً، فأوغندا دولة تعتمد اللامركزية الإدارية، ومع ذلك تعطي صلاحيات تشريعية واسعة للمجالس المحلية، على حين أن دولة فيدرالية كالبرازيل، لا تمنح الحكومات المحلية فيها أيما صلاحيات تشريعية وتنظيمية. المغايرة لا تنحصر في نوعية السلطات إنما في مستوياتها، فدستور الفلبين يحدد الأقاليم التي يمكنها الحصول على درجة أعلى من السلطات السياسية، ويحد من هذا الحق عن مناطق أخرى خاصة التي تتشارك في التراث التاريخي والثقافي ، وذات الأمر في الدستور الاسباني إذ يمنح إقليم (الباسك) الذي يشهد نزعة انفصالية، سلطات سياسية أوسع دونما غيره من الأقاليم.. مثلهما العراق، حيث يمنح الدستور إقليم كردستان حكما ذاتيا بصلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية، مستقلة عن الدولة الاتحادية، فيما لا زالت 18 محافظة أخرى تُدار بنظام اللامركزية الإدارية.. وكلها أمور تؤشر ليس فقط إلى انعدام الحدود الفاصلة والواضحة بين اللامركزية الإدارية والفيدرالية.. بل إلى إمكانية تطبيق كلا النظامين في ذات المجتمع والدولة مثلما حالة العراق.. فيما الاختلاف في تطبيقاتهما، تدلل، أن لا وجود لنموذج معياري يمكن توسله كدليل إجرائي إرشادي ، فكل دولة تأخذ من هذا النظام أو ذاك بما يتفق وخصوصيتها.. والنتيجة أن هنالك أشكالا للفيدرالية وأخرى للامركزية الإدارية بعدد الدول التي تأخذ بتلك النظم.. نتيجة كهذه، تقدم طيفا واسعا من الخيارات، أمام اليمنيين، للأخذ بأفضل الممارسات العالمية، دونما تقيد بنموذج جاهز، هو أصلا غير متوافر، ومواءمة تلك الممارسات مع البيئة المحلية وشروطها الاقتصادية والاجتماعية السياسية، لتوخي الغايات والأهداف العامة للامركزية.. وهي غايات من أهمها: توسيع مشاركة المواطن في صنع القرار وإدارة شأنه المحلي ، وتقاسم السلطة والثروة بين فئات المجتمع المختلفة، لما يؤدي بالضرورة إلى تقليص حدة النزاعات والصراعات، الناشئة أساسا عن لا عدالة توزيع الثروة، ومحاولة كل طرف الوصول إلى السلطة باعتبارها السبيل لحيازة الثروة وفق منطق الغلبة، لتظل الفئات الأخرى بدورها تترصد أوان نزعها والاستيلاء عليها .... ليُصار إلى أن نشر السلطة لا يحول فقط دون استلابها، بل يحول بالقدر ذاته دون تشظي المجتمع، ويضمن استقراره ووحدته. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك