لست مبالغاً إذا ما قلت بأن التاريخ سيسجل اسم الرئيس عبدربه منصور هادي في أنصع صفحاته، ليس باعتباره الإنسان الذي تحمّل مسئولية قيادة الوطن في ظرف استثنائي دقيق وحساس.. وليس في قدرته –أيضاً - على النجاح في إدارة الفترة الانتقالية بكل هذه السلاسة والحنكة والاقتدار.. وليس –ثالثاً - في أنه استطاع باختصار أن يمنع انسياق اليمن إلى أتون صراع دموي مدمر... أقول: ليس لكل ذلك وغيره من الأعمال الكبيرة التي قدمها الرجل سوف تخلده في سجل التاريخ فحسب، بل لاعتبارات موضوعية تتجلى فيها دلالة القرار وشجاعة اتخاذه وحكمة توقيته في ظرف استثنائي بالغ التعقيد والخصومة في آن واحد. اختصاراً لكل ذلك أقول: إن اتخاذ قرارات بمثل تلك الحكمة والشجاعة على صعيد إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية رغم – أهميتها - لم تخلُ من دلالة التأثير في مجرى هذه التحولات العميقة على المجتمع.. ومن ذلك إعلان تحويل معسكر الفرقة أولى مدرع داخل أمانة العاصمة صنعاء إلى حديقة عامة للمواطنين والزائرين، يتاح لهم أن يتنفسوا هواءً نقياً، لا يعكره دخان البارود وبشكل يأنس معه المواطن إلى المكان ولا تخالطه أحاسيس الخوف أو الفجيعة، وذلك أيضاً يعني أن يطرب الناس إلى سماع أصوات العصافير وغناء البلابل بدلاً عن لعلعة الرصاص ودوي البنادق والمدافع!. وعلى الضفة الأخرى، فإن إعلان إلحاق مقر القوات الخاصة بإحدى الكليات العسكرية، إنما يعني إلغاء تكوين الوحدات العسكرية خارج إطار العمل المؤسسي.. وهي خطوة تؤكد جدية المضي قدماً لإعادة هيكلة الجيش وفقاً لأسس وطنية وعلمية غير مكترثة البتة لاعتبارات القرابة والوجاهة والنفوذ، فضلاً عن توجيه قدرات هذه المؤسسة مادياً وبشرياً في الوجهة التي تحافظ على كرامة أبناء هذه المؤسسة من الانجرار وراء مهام غير التي حددها القانون والدستور إجمالاً، إذ إن هذه الخطوات والقرارات التي اتخذها الرئيس عبدربه منصور هادي، إنما تصب في الإطار الذي يجعل من المؤسسة العسكرية حارساً أميناً على تراب واستقلال الوطن ووحدة أراضيه من أي عدوان خارجي محتمل.. و بالتالي، فإن هذه الخطوات قد وضعت حداً لتلك الصورة المزرية التي حاولت أن تختصر دور هذه المؤسسة الدفاعية في عسكرة المدن وحراسة الأشخاص بدلاً عن الوطن، فضلاً عن الاحتكام إليها عند التباين في الاختلافات والاعتماد عليها في حسم الصراع على السلطة بدلاً من الاقتناع بإرادة الناخب عبر صناديق الاقتراع . تلك -حقاً- كانت مشكلة وقد وضعت القرارات الرئاسية لإعادة الهيكلة حداً لها، باعتبارها مطلباً أساساً للتغيير وشرطاً موضوعياً لنجاح مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.. وتبقى الخطوة المطلوبة تتعلق بسرعة وضع هذه القرارات الرئاسية المرتبطة بإعادة الهيكلة موضع التنفيذ.. وهي مسئولية ضخمة ملقاة على عاتق القيادات العسكرية ولكنها بالمقابل غير مستحيلة على من شاءت العناية لأن يتحمل المسئولية الوطنية في هذا الظرف الاستثنائي في تاريخ اليمن المعاصر. رابط المقال على الفيس بوك