الولايات المتحدةالأمريكية أقدم الفيدراليات ، فهي نشأت منذ أزيد من مائتين وخمسين عاما، باتحاد ثلاثة عشر ولاية، لتصل إلى الخمسين، بانضمام ولايات أخرى للاتحاد الذي ظهر بصيغة كونفدرالية، سرعان ما تحول إلى الفيدرالية، لتصبح بعدها الأمة الناشئة من خليط غير متجانس من المهاجرين والعبيد وشذاذ الآفاق القوة العظمى الأولى عالميا . المثال الآخر يأتي من ألمانيا الاتحادية، إذ تقدم نموذجا مثيرا للدولة الفيدرالية الطامحة للقوة، عندما قام (بسمارك) بتوحيد الدول والقبائل الجرمانية في كيان سياسي تتوسله في حروبها ضد الأمم الأوروبية الأخرى، أطلق عليه الرايخ الثاني .. كان التوحيد حينها مغلفا بالآمال العريضة للشعب الألماني لإعادة أمجاد الرايخ الأول الذي ظهر قبل ذاك بقرون مستلهما بدوره المجد التليد للإمبراطورية الرومانية، في نزوع ألماني دائم للقوة ظهرت أقصى تجلياته في الرايخ الثالث ونازية هتلر.. رغم أن هزيمته في الحرب الكونية الثانية، أثمرت نتيجة عكسية، بانقسام ألمانيا، التي لم تتوحد ثانية إلا في مستهل آخر عقد من القرن العشرين . القوة مآل الفيدراليات المتكونة بطريقة الانضمام، لكنها كنزعة لا تنفك حاضرة حتى في الفيدراليات الناشئة بطريقة التفكك، عندما تتحول الدولة البسيطة الى مركبة / اتحادية، بغية تداول السلطة بتفرعاتها المختلفة بين المركز والأقاليم، حفاظا لوحدتها وقوتها، وتلافيا لانفصالها، والهند نموذج خلاق للفيدرالية الناشئة بهذه الطريقة، وبها استطاعت تجنب مزيد تمزق، بعد انفصال باكستان عنها، وأثمرت ما تشهده حاليا من نهوض اقتصادي، وهو ما لم تستوعبه باكستان، التي كانت مركزيتها الشديدة، سبباً مباشرا في انفصال باكستان الشرقية ( بنغلادش) بعد اقل من ثلاث سنوات من استقلالها عن الهند. الفيدرالية تتغيا الوحدة، وأغلب دساتير الدول الفيدرالية تؤكد عليها، وتقدم ضمانات لها، لا يشذ عنها سوى دستوري أثيوبيا والسودان، وحتى دستور الولاياتالمتحدة لا يسمح للأقاليم بالانفصال .. والأكثر أن الولاياتالمتحدة خاضت حربا لا هوادة فيها ضد الولايات الجنوبية الطامحة للانفصال، وهي حرب أضحت مبررة أخلاقيا لأنها عززت النظام الفيدرالي، وأفضت إلى تحرير العبيد ومنحهم حقوقا سياسية ومدنية.. غير أن الأمر لا يتصل فحسب بالفيدرالية أو اللامركزية الإدارية، عند الحديث عن الانفصال، بل بمدى توافر الدولة على حكم جيد قائم على المساءلة والشفافية، في مستوياته المركزية والمحلية، وبدونه تنفتح بوابة الجحيم لما هو أشد، ويصبح كل شيء مبررا بما في ذلك حق الانفصال. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك