نكاد لا ننتهي من حركة العنف المجتمعي التي خلفتها ثورتنا السلمية وما ترتب عليها من تفكك ونزاع عميق قد تمتد آثاره السلبية إلى أبعد مما نتصور. ذلك العنف بمظاهره المختلفة لا يقف فقط عند حد الاستخدام المفرط للسلاح بل يتعداه إلى وجود نوايا سيئة للتدمير حتى نوشك أن نجزم بوجود جريمة منظمة في مجتمعنا نتيجة لانفلات أمني غير مسبوق في مدينة تعز، له أسس دخيلة على مجتمعنا وتحميه جماعات لا تنتمي لنا ولا نعترف بها على مستوى النسيج الاجتماعي الذي يميز تعز عن سواها من المحافظات. فتعز محطة بشرية تحوي باقة إنسانية من كل المحافظات، كما أنها تزود جميع المحافظات بشبابها ورجالها الأكثر كفاءةً وخبرةً خاصة في المجال الثقافي والإداري. تعز اليوم تضج بفوضى يمارسها البعض مما يسمى بالمهمشين بعد حادثة القتل التي ذهب ضحيتها أحد الأفراد من المهمشين والتي دفعت بهم للأخذ بالثأر في حادثة ليست الأولى من نوعها لكنها الأكثر شراسة والأغرب توجهاً والأقوى تصعيداً.. فليست بدعة إذاً أن يثور هؤلاء بعد أن يئسوا من وجود أجهزة حكومية تنصف مطالبهم وتحقق رغباتهم في الحياة الكريمة وتوقف مبدأ العبودية الذي يمارسه ضدهم الجميع. هذه الحادثة دفعت بالمهمشين إلى استخدام السلاح وقطع الشوارع واستخدام العنف اللفظي والمعنوي مع البعض ممن يسخرون من حجم قدرة المهمش على الدفاع عن نفسه أمام القبيلي الذي يرى من حقه أن يفعل ما يشاء ووقتما يشاء. أعتقد أن مجتمعنا قد أسرف في نظرته الدونية للمهمشين وأسرف أكثر في الاستهتار بقدرتهم على الاستفادة من الدرس الذي قدمه لهم القبيلي على طبق من ذهب. فهم الآن ينفذون بدقة ما فعله شبابنا قبل عامين من اليوم ولن تهدأ هذه الثورة السوداء إذا لم يتم التعامل معها بحكمة لأنها لا تقل خطراً عن تلك العصابات التي تسخر نفسها للانتقام ورفع راية العدالة الملطخة بالدماء. سنكون على أبواب ثورة طبقية، اجتماعية إذا لم يتم وضع الخطط الملائمة للسيطرة على هذه الأحداث المنفصلة عن سياق السلوك المجتمعي والذي قد يقود لردة فعل مواجهة من قبل تلك الفلول المتأهبة للعنف والمستعدة للجريمة والتي ظهرت كطفرة مرفوضة أثناء الأحداث السابقة للوطن وتسعى جاهدة إلى الحصول على أنصار وحلفاء من أبناء المجتمع التعزي وهذا لن يكون أبداً في صالح المحافظة التي اتكأت دهراً على عصا السلم والانفتاح والتسامح. إنها ثورة سوداء، توشك أن تكون خلية إرهاب جديدة ولا ينبغي لها أن تجد الفرصة لذلك بالرغم من علمنا المسبق بأنها ستكون مجرد أداة يستخدمها آخرون لتحقيق حلم التخريب الذي راود فضاء أرواحهم الشريرة ردحاً من الزمن. إنها الثمار المحرمة التي تدلت عن شجرة الانفلات الأمني في تعز حتى أصبحنا نجزم بضرورة وجود حكم قوي في هذا المجتمع الذي هو في أشد الحاجة اليوم للضرب بيدٍ من حديد على كل من تدفعه نفسه الأمارة بالسوء إلى افتعال الأزمات والتخطيط لها وترويجها بأكثر من لون وشكل وطريقة.. إنها النار التي ستحرق الأخضر واليابس في تعز إذا لم تضع لها الحكومة حلولاً جذرية وفق أسس قانونية لا تتجاهل قدرات الأفراد ولا تتغاضى عن حقوقهم ولا تفرض عليهم ان يكونوا عبيداً في أيدي أسياد، وأي سادة.. أي سادة..؟!! لسنا بحاجة إلى إشعال نيران جديدة فيكفي ما قد احترق من وجه الإنسانية عندنا، كما أننا لسنا في حاجة إلى المزيد من العنف الذي جثم على صدر المجتمع اليوم كأشرس ما يمكن، لسنا بحاجة إلى نوع جديد من الضغوطات لنكون تحت مجهر الاستغلال الإنساني فربما عرف العالم من يكون المهمشون لكنه لم يعرف بعد من نكون نحن حين نستخدم المهمشين في أقذر صورة وأدنى مستوى.. ملف المهمشين في اليمن لم يعد مغلقاً بعد وجود المنظمات الداعمة لهم والدافعة بهم إلى الوقوف كطبقة وليس كأقلية خارج حدود الهرم السكاني، لهذا يجب أن توضع حلول فورية لهذه الفوضى القاتلة التي لم تعد الفوضى الخلاقة التي يتغنى بها أصحاب الميول الملحمية والذين يصورون كل ما يحدث وكأنه فصول على مسرح كبير كل أدواته واقعية ما عدا الإنسان... الإنسان صاحب البطولة المطلقة والمقيدة معاً. رابط المقال على الفيس بوك