ثمة شيء يجب ان يقال بإنصاف وموضوعية في حق رجل انقسم الناس حوله على مدى عامين مضيا فريق معه وفريق ضده ،وكلا الفريقين بلغ بهما التعبير عن موقفهما حد الشطط. وبالرغم اني ترددت كثيرا في الكتابة حول هذا الرجل حذرا من الانزلاق في شخصنة الكتابة والقضايا كما هي الحالة الغالبة على الكتابات الصحفية خلال هذه المرحلة .الا انني أجد نفسي هنا ملزما بالكتابة حول رجل قلما انصفه كاتب . فعلى مدى شهرين متتالين وبعض الصحف المناوئة للرجل تخصص مانشيتات صفحاتها الاولى للحديث عن تمرد يقوده الجنرال علي محسن وتارة يوصف الرجل بالمتمرد على القرارات وتارة يقولون ان الجنرال بحسب صيغة الخطاب الصحفي سالف الذكر يقف حجر عثرة في طريق هيكلة الجيش وانه يشترط كذا وكذا ومرة يقولون ان علي محسن في خلاف حاد مع الرئيس رغم ان مكتب الرئيس نفى تلكم الشائعات اكثر من مرة . لقد كثرت الشائعات والأقاويل المرجفة التي تحرض على إساءة الظن بمواقف اللواء الركن علي محسن صالح . وعلى الصعيد الشخصي كنت أتابع هذه الاخبار بسخرية عجيبة كوني ادرك جيدا حقيقة موقف الرجل لكن المخاوف كانت تنتابني فيما قد تصنع هذه الكتابات في الصفحات الاولى من رأي عام يكون فاقد الثقة في كل القادة الوطنيين وليس في علي محسن وحده. إلا أن قرارات الرئيس هادي المعلنة مساء الاربعاء العاشر من ابريل المنصرم والتي وضعت حداً نهائياً لانقسام الجيش اليمني ،وضعت حدا ايضا لكل الشائعات المرجفة في حق الرجل ،بل إن موقف الرجل الامتثالي للقرارت إياها خيب كل الظنون السيئة بشخص علي محسن وأعاد الثقة للمواطن اليمني في قياداته واثبت ان هناك مازال رجال صادقون فيما يقولون وفيما يفعلون . ومن ردود الفعل التي يجدر بي ان اشير اليها هنا ،المقال الذي كتبه زميلنا الكاتب محمود ياسين بعنوان«وأخيرا رحل الجنرال» والمنشور في صحيفة الاولى الصادرة بتاريخ 11 /4 /2013،العدد(692). وعلى الرغم من رغبة الكاتب في التهكم على الرجل والواضح من صيغة العنوان ،إلا أن الكاتب اقر في مقاله بصريح العبارة أن الجنرال علي محسن خيب ظنونه السيئة بامتثاله لقرارات الرئيس هادي . ويحضرني هنا الاستشهاد بمقالة محمود ياسين لأنه اكثر كاتب تهجم على شخص علي محسن في مقالاته وحاول جاهدا في نشر سوء الظن بالرجل في اوساط القراء والمهتمين ،لكن الكاتب إياه لم يستطع تجاوز موقف الرجل في مقاله الاخير ولم يتمكن من القفز على حقيقة الموقف الذي دحض كل الشائعات ،فقد بدا على الكاتب في مقاله آنف الذكر أنه يفند مزاعمه الكتابية السابقة بحرقة وألم لأن الرجل لم يكن كما صورته الفقاقيع الاعلامية إياها. وقد جاء في مقال الكاتب محمود ياسين ما نصه “كنت اسير بجوار الفرقة الاولى مدرع وأقول في نفسي ...متى ياترى ستنفجر هذه القنبلة الموقوتة”. ونحن من خلال هذه العبارة بالتحديد يروق لنا ان نبدأ الحديث عن شخص علي محسن صالح، فقد كان الكثير من اليمنيين يعتقدون ان علي محسن يعد جيش الفرقة الاولى مدرع جيشاً شخصياً سيستخدمه للدفاع عن موقعه في حال طلب منه تركه وآخرون كانوا يظنون ان محسن سيزج بهذا الجيش في اتون صراع عسكري ينشب بينه وبين الرئيس السابق علي عبدالله صالح . كان الاعتقاد الخاطئ في الغالب الأعم ان قوات الفرقة الأولى مدرع وجدت وستبقى قيد الاستخدام الشخصي لقائدها ،لم يدر في بال أي مواطن يمني ان الرجل يبني قوات لخدمة الوطن اليمني . مع أن حقيقة الامر لم تكن كذلك البتة،خصوصا منذ إعلان اللواء محسن انضمامه للثورة الشبابية وتأكيده أن قوات الفرقة مهمتها حماية الاعتصامات السلمية ،ذلكم القرار الذي اعلن في الواحد والعشرين من مارس عام 2011 أكد بما لايدع مجالا للشك بأن هذه القوات وجدت لخدمة الصالح العام والتوجهات العامة للشعب اليمني. صحيح أن النظام السابق كان يفرض ان يقوم النظام العسكري على أساس الولاءات الشخصية وربما هذا ما كان متبعا في بناء الفرقة الاولى مدرع باعتبارها داخلة ضمن النسيج العسكري للجمهورية اليمنية ،بل ولا نستطيع إنكار ان اللواءعلي محسن كان يبذل قصارى جهده لكسب الولاءات العشائرية والعسكرية في الشمال والجنوب لكن التميز في تجربة الرجل انه لم يكسب الولاءات فقط بالأعطيات المالية بل كان للرجل مواقف وقيم اخلاقية ميزته عن الآخرين في النظام السابق وكانت هي الأهم في حياته ويقر بها كل من تعامل مع الرجل عن قرب من اصدقائه أو خصومه. المهم ان الرجل اكتسب اهمية لم يكتسبها قبله أي قائد عسكري وكان يمتلك من أدوات الصراع ما يمكنه من إقامة حرب لمدة عشر سنوات في مواجهة صالح اذا كان الرجل انجر الى مشروع الثأر الشخصي . لكن الرجل نأى بنفسه عن كل هذه المشاريع ورمى بكل ثقله وامكانياته في مرمى ثورة الشباب السلمية ،وأسهم الى حد كبير في تحقيق أهداف الثورة ،كما ان الرجل اكتسب اهمية خاصة في إسهامه بخدمة المجتمع الدولي والاقليمي في تنفيذ المبادرة الخليجية ،وفوق هذا وذاك فقد أسهم في تجنيب البلد الانزلاق في متاهات المواجهات بين الوحدات العسكرية للجيش اليمني ،وذلك بحكمة الرجل وصبره على كل الاستفزازات العسكرية التي وصلت الى حد ضرب صواريخ كاتيوشا وفي اكثر من مرة على قيادة الفرقة الاولى مدرع على مدى عامين الا ان حنكة علي محسن القيادية جعلته يتحلى بالصبر ويتحاشى المواجهة استشعارا منه بحجم المسئولية الوطنية الملقاة على عاتقه وهكذا يتمكن الرجال العظماء من كتابة تاريخ تجاربهم الشخصية في قلب التجارب العامة لشعوبهم رغم متاهاتها الانحرافية ،وهذا لعمري هو منتهى العظمة الانسانية . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك