إن ماقلناه قبل أشهر من صدور قرارات الهيكلة كان عبارة عن تحليل لأهداف محسن ، وقد كنا حريصون جدا على عدم البلبلة الإعلامية فحاولنا إيصال التحليل إلى القياده السياسية لكننا عجزنا مادفعنا إلى إرساله إلى صحيفة قريبة من مراكز القرار الموثوقة وهو الأمر الذي دفع تلك الصحيفة (أحتفظ بإسمها) إلى التأخر في نشره مدة شهر كامل بغرض ايصاله للقيادة بحسب ما افادوني به بعد نشره في صحيفة أخرى (هي الميثاق) قبل أشهر من صدور قرارات الهيكلة ، وقد أبلغت عن طريق الأستاذ أحمد الصوفي سكرتير الرئيس السابق ، بأن مقالي كان يدرس بدقه متناهية لدى مكتب القائد ، و لا ابحث عن الشهرة بقدر ما أؤكد للقارىء أن قرارات الهيكلة جرت بعكس ماكنا نخشاه أن يتم بتلك الطريقة المموهة والخطيرة التي كشفناها والتي أرادها محسن وشركاء فيلم الخيال (هيكلة الشقشقة) وكشفنا نحن تفاصيلها . ولعل من تابع كتاباتي في الفيس بوك سيتذكر عرضي لرسالة تلقيتها من محلل عربي كبير هو الدكتور صلاح المختار كنت عرضت عليه المقال بغرض المشورة فنصحني بعدم النشر قبل ايصاله إلى القيادة السياسية التي ربما لاتدرك الفخ الذي ينصبه محسن وشركاء فيلمه الوردي على الجيش . ولا أدري إن كانت العيون الساهرة على الوطن قد قرأت مقالاتي السابقه خصوصاً بشأن ويكليكس وأهدافه وكذلك الإستراتيجية الجديدة لإمريكا والمقرر تنفيذها في المنطقة أم لا ، خاصة وإن إستنتاجاتي التي أحذر منها تمضي على قدم وساق وليس ذلك طلباً مني بالإعتراف بتنبؤاتي أو دقة تحليلاتي بقدر ما أشدد دوما على ضرورة رفع درجة التركيز والإنتباه لما نقوله نحن وغيرنا من كتاب الوطن والمدافعون عن شرفه ومكتسباته وثوابته. بالعودة لموضوع الهيكلة فقد كان من الطبيعي أن يرفض محسن الهيكلة ليس لأنها قيدت أحلامه في الوصول إلى قوة عسكرية تفوق كافة مراكز القوى (قوة تفوق الدولة) بل لأنها فاقت تصوراته التي صاغها في مخيلة عقلة الآيل للسقوط في حفرة التخبط والزهايمر. نعم لقد إحتاج محسن لوقت طويل لفهم الغاز هادي (الهيكله) وليس لإختيار احد الخيارات المعروضة عليه من الرئيس هادي ، وهذا مايوضح عمق العقم الإستراتيجي للجنرال ، في فهم الأمور وعلوم السياسة ، ولعل الجنرال يذوق و يعيش الأن نفس اللحظة التي ذاقها شباب (بلا خبره ) وهم يرون أحلامهم في صناعة ثورة قد سرقت على يديه ، ذلك أنه لايختلف اليوم عنهم في إمتلاك الخبرة السياسية بدليل أن أحلامه في صناعة مشروع هيكلة خاص قد سرقت منه أو تم جرها إلى نفق مظلم ، كان قد جر الشباب إليه بذلك الإنضمام البغيض والحياة على جثثهم .
لقد سعى محسن الى تحويل الساحة إلى غرفة إنعاش يرقد بداخلها ، يمتص فيها أكسجين و دماء الشباب كي يعيش ، بعد حالة الموت السريري التي كان وصلها مع النظام السابق ، والكلام نفسه يقال للصوص خرجت من السجن السابق إلى ساحة الحرية ، فهؤلاء لم يجدوا طريقاً لإشباع رغبة اللصوصية والإستمرار بها وهي رغبة وحشية خاصة لمن حرم بقوة منها لذلك تراهم الان يتخبطون بكل الجدران لانهم يودون الإنطلاق ولكن ... إنظروا إليهم فتارة هم مع الهيكلة وتارة هم مع تمرد وتحدي الجنرال للرئيس هادي وتارة هم مع الحوار وتارة هم مع تعطيل الحوار لدرجة أنهم يظهرون كالحمقى الذين يكرهون حتى ملابسهم ، وليس فقط رؤية الرئيس السابق يخرج للتسوق بكل أريحية .
إنشقاق أو تمرد الجنرال على الرئيس هادي كان يمكن فهمه من اللحظة التي سبقت خروجه إلى عمران وإقامة عرض عسكري مخالف ، حيث كانت لحظة تشجيع التمرد داخل اللواء ( ) وهو الذي كان يقوده اللواء محمد خليل ، وهو لواء تابع لفرقة محسن المدرعة (سابقا) غير أنه لم ينشق معه العام 2011م ، حيث كانت الرسالة التي بعثها محسن للرئيس هادي ، ردا على قرار حل وتشتيت الفرقة الاولى مدرع التي يقودها ، تحمل معنيين إثنين ، المعنى الأول: إن محاولة تشتيت الفرقة على المعسكرات والالوية الاخرى تعني إنتشار سموم الجنرال داخلها مايعطي إمكانية إسقاط قادتها في يده وهذا من جهة وعلى الاقل إمكانية بروز فرصة حدوث فوضى عارمة داخل كل الألوية التي سيتم إلحاق جنود الفرقة بها من جهة أخرى مايعيق الإستقرار داخل الجيش .
أما ثانيا : فمن جهة يقول أنه قادر على رفض تفريخ معسكراته ومنطقته وهو قادرا على إستعادتها بدليل إنه إستعاد معسكراً ولواء كان قد فقده قديماً ومن جهة فهو يبعث رسالة واضحة لقادة معسكراته بأن من سيتمرد على قراراته وينفذ قرارت هادي سيكون مصيرة كمصير اللواء محمد خليل . لذلك كان من الخطأ أن يقوم وزير الدفاع بتغيير اللواء محمد خليل بل ومن السذاجه قبول ذلك على أنه تلبية لمطالب المحتجين داخل المعسكر كون من إحتجوا كانوا كتيبة جديدة تلقت تدريبها الاول في الفرقة أصلا . ومن يتعمد إنكار هذا فإنما يتعمد التزوير ومواصلة التظليل على الناس ، لأن ماحصل في ذلك اللواء من حادثة نسبت إلى جندي قطع راتبه بسبب بيعه لبندقية الجيش هي حادثة مفبركة ومكشوفة ولاتستدعي في أقصى حالاتها تبرير ذلك التمرد على الاوامر العسكرية والتي وصلت حد الاعتداء على اللواء محمد خليل من قبل جنود . والمثير للأمر أن ماحدث في لواء محمد خليل والقصة التي سردت، تكرر سردها في لواء العمالقه ، وهو لواء يعرف الجميع بالمساعي الكبيرة التي يبذلها محسن للسيطرة عليه ، وعلى الأقل الإنتقام منه ومن الأب الروحي له (اللواء علي الجائفي) وتلميذه وقائده الحالي (السدمي) على خلفية معارك صعدة ، التي قدم من خلالها لواء العمالقه رسميا ادله دامغة عن خيانة الجنرال محسن ولواءه للجيش ، وكيف كان يبيع السلاح للحوثي وهو الطرف العدو في تلك الحرب للجيش، حيث لاتزال قضية معركة الملاحيظ خير وأقوى قضية رفعها العمالقه وقائده الجائفي إلى مكتب القائد الاعلى والمحكمة العسكرية العليا متهما فيها الجنرال محسن وفرقته المدرعة بضرب وطعن كتائب العمالقة من الخلف في منطقة الملاحيظ بإوامر من الجنرال نفسه .
إن دفع جنود للإنقلاب على قائد العمالقه الحالي (السدمي) ، بناء على إستغلال خطاْ بسيط سببه الأب الروحي (الجائفي) ، سيدفع باللواء إلى الإنشقاق بين مؤيداُ للأب الروحي وبين من يحمله مسؤلية ماحدث للسدمي ، والعكس أيضاً ، ولهذا فإن لواء العمالقة لايزال حتى لحظة كتابة المقالة غير قادر على التوحد في صفوفة التي لم تنشق منذ أربعين عاماً من وجوده . إن تحرك اللواء التابع لمحسن لإحتلال لواء العمالقة تحت حجة رأب الصدع وتهدئة الوضع المتأزم داخل لواء العمالقة ، عباره عن مسرحية ساذجه يحاول من خلالها التمويه على تحقيق هدفه والذي لم يعد يعني الأنتقام من العمالقه أو تسريحه ، بل أصبح ضم اللواء تحت جناحه أو على الأقل تسريح قواته أو سلب قوته ومخازنه ودباباته بحيث يصبح الجنرال محسن ولوائه هناك هو القوة الوحيدة المسيطرة في تلك المنطقة التي ربما إنتزعتها قرارات الهيكلة منه .
من الضروري تثبيت ملاحظات وإستنتاجات ختامية
1) رفض الجنرال ربما يكون لشعوره بأنه وقع في فخ ، لذلك يحاول جر من أخذوه إلى الفخ ، وهو مادفع به للإجتماع بأنصاره طالباً منهم أن يقوموا بدور الظغط والوساطة بنفس الوقت مع الرئيس هادي ، وهو مايشكل تناقض ، إذ لايمكن عمل ضغط من ثم التوجه بوساطة لم يطلبها أحد ، ومرد هذا التناقض لايبشر برؤية ناضجة . 2) إن مايحاول قولة محسن لنا هو أن توزيع الفرقة على الألوية الأخرى يعني إمكانية إسقاط قادة تلك الألوية التي سيتم توزيع فرقته عليها بما فيها الحماية الرئاسة وهو ماقد يدفع بالرئيس هادي لإلغاء قراره بشأن الفرقة . 3) بخصوص مناطق النفوذ فإن محسن سيعتمد على قضيتين باتتا مسلمتين بهما وهما أ) فساد بعض قادة المعسكرات والالوية . ب) حرية الرأي وغياب الرادع العسكري للفوضى . حيث سيستغل محسن هاتين القضيتين لتشجيع التمرد داخل الألوية والمناطق الأخرى مستغلا فساد القادة وغياب الرادع للفوضى وتفشي ظاهرة حرية الإحتجاج العسكرية!! فهل يمكن أن ينجح هادي في إحتواء الموقف عن طريق تعيين قادة جدد مؤهلين أو ذوي خبرة ..؟؟ ربما نعم وربما لا والسبب في تشكيكنا هو لأن تعيين قادة جدد في الوقت الحالي من خارج تلك الألوية أو المناطق سيكون بمثابة قشرة خارجية تحتاج لفسحة زمنية لفهم تركيبة ومزاجية تلك الالوية الجديدة وهذا ماسيستغلة محسن أيضاً ففي ظل الظروف القابلة لتوليد الشرور وفي ظل غياب دوائر الإستخبارات العسكرية والقومية والسياسية (وحشرها في زاوية مكافحة الإرهاب...) ، فإن إمكانية إسقاطهم سريعا أو تحولهم إلى أدوات في يد محسن لاتبدو مستحيلة وقد بدأنا نسمع من الان رفض بعض المعسكرات دخول القادة الجدد من البوابة فمابالك بقيادتها ، لذلك فإن أول مايجب القيام به قبل تغيير القادة هو حل القضيتين أعلاه ، وبالمناسبة لن يكون الحل سهلا وسريعا ، لذلك فإن الخطوة الشجاعة المطلوبة من الرئيس هادي هو القضاء نهائيا على مسائل تعيق تنفيذ القرارات كوجود علي محسن على شكل نواة مشعة للإنشقاقات المتعاقبة ، وكذلك مسئلة غياب المحاكمة العسكرية بحق كل من إنشق أو تظاهر أو إحتج على قائده ورفض تنفيذ الأمر العسكري (بإستثناء افراد الحرس ال80 الذين كانو الوحيدون من حوكموا ) إما عكس ذلك فإننا نصب الرصاص على رؤوسنا .
4) إن إظهار الجيش بهذا المظهر المخزي وهو هدف الجنرال محسن وزمرته لايدل على شيء بقدر مايدل على حقيقة ماقلناه في مقالنا السابق وهو أن الجنرال محسن رجل مرحلة مهمته شرذمة اليمن فقط وهو لايستند على الأخوان فقط بل على اللقاء المشترك وبالتالي لايجب تحميل الأخوان فقط لان ذلك عمل طائفي صرف ، كما أن هذا يساعد دعاة حل وتسريح الجيش في مساعيهم لحل الجيش وإقصاء المخابرات كما فعل الحاكم الامريكي بريمر في العراق وهذة الدعوات تستند إستناد رسمي على الحالة التي يقدم محسن صورتها المطلوبة وقد بدأت تلك الاطراف تسرب همسات أولية لهذة الدعوات في صحف خليجية على السنة المخابرات الإمريكية وشخصيات معارضة داخلية ، بحجة أن الجيش بني على اسس قبلية وفوضوية ، مع أن من تنطبق عليهم هذه المقولة لايتجاوزن سبعة الف بحسب مصدر عسكري رفيع وضح في تقرير نشرته صحيفة الجمهور بالعدد الحقيقي للمنشقين .
5) لقد إستطاع محسن من بناء قوة نفوذ فقط عن طريق الضغط على الرئيس السابق والمؤتمر الشعبي العام بمراكز القوى التي ولدت قبل مجيء الرئيس السابق ، أما القوة العسكرية الفعلية فهي ليست بيد محسن ، وتلك هي المعادلة التي يصعب الحكم على صحيتها بالأبيض والاسود ، أو بالحكم لمجرد المعرفة بعموميتها . 6) إن من يروجون لمحسن بأنه سيستخدم قوته للقضاء على الحوثيين هو واهم !! لان محسن كان بمقدوره القضاء على التمرد في البداية ولكنه كان يبيع السلاح ويتخلى عن المواقع بعد السيطرة عليها وهذا الكلام أثبتته إعترافات وأدلة دامغة لايزال بمقدور الرئيس هادي إستغلاله بحركة بسيطة .
7) نكرر ولا نمل من التكرار : عندما ضربت إمريكا في دارها وكذلك بريطانيا وكل الدول المتقدمة ديمقراطياً في حالة تعرضها لهجوم أو تمرد داخلي فإنها تقوم برفع حالة الطوارىء لأن ذلك أمن قومي طارىء لذلك نؤكد بأهمية حالة الطوارىء على الاقل داخل المعسكرات وهي حالة ضرورية ومنطقية وعسكرية أصلا ، يجب الوصول لها لتفادي كل الانشقاقات التي سببها محسن ، ويجب علينا بالمقابل ونحن أمام معظلة المواجهة ، عدم المبالغة في تبني خيار الديمقراطية لحل مشاكلنا الأمنية والإستراتيجية عموما ، لأننا لانقدم صورة ديمقراطية بقدر مانقدم صورة شعورنا بعقدة الدونية التي نحاول إكمال نقصها على حساب ذاتنا ، فلنجاء إلى شراء الأكفان كي يقال عننا شجعان مع أن الشجاع هو من يبيع لعدوه الكفن ويشتري لنفسه الكرامة . هشام المشرمه [email protected]