في حياة كلّ منّا إنسان وجوده أهم من المال، وأهم من كثير من الناس الذين يبدو لنا أننا نرتبط معهم بعلاقات أو أن تلك العلاقات تربطنا بهم بشكل من أشكالها المتعددة. العبرة ليست في كثرة أولئك الناس، لكنها في صدق الإنسان وإخلاصه ووفائه، وواحد بمواصفات إنسانية حقيقية أفضل وأهم من ألوف من الناس يرتدون أقنعة الزيف أو يتوارون خلف الأسباب والاحتمالات والظنون. في حياة كل منا إنسان، وليفتش كلٌ منا عن إنسانه إن كان لم يعرفه بعد، وهذا وحده سيمنحك من العزيمة ومن الطموح ما يكفي لأن تتجاوز المصاعب والمتاعب وتتغلّب على الآلام والكثير من الهموم ، إنسان واحد يستطيع أن يحيطك بسياج من الوداد يحميك من تقلبات النفوس والأمزجة ويغلق دونك الأبواب التي تأتي منها رياح الأحقاد والكراهية والإحباط ويستطيع أن يأخذك بوداده إلى مساحات شاسعة من الأمل، ويشغلك عن التفكير بأسباب اليأس ومسببيه، ومناخات الرتابة والملل وأجواء الصداع ووجع القلب. الإنسان الذي يصدقك القول والفعل والإحساس ويعيش معك أفراحك وأتراحك ويقاسمك الهموم، والاهتمامات ليدفع بك إلى شواطئ النجاح، والإنسان الذي يقف إلى جوارك بصدق مشاعره وأحاسيسه، في حضوره وفي غيابه، وبطريقته يغرس في نفسك أضعاف ما لديك من عزيمة، ويحوّل عزيمتك الصامتة وطاقتك الكامنة إلى عزيمة ناطقة وطاقة فاعلة وفعّالة، ليس كأي إنسان قد نجده هنا أو هناك، اقترب أو ابتعد. الإنسان الذي يستعجلك النجاح وتجده إلى جانبك في كل خطوة في الزمان والمكان دون أن تحس بأدنى ضجر أو تعب أو إرباك، وترى في وداده نحوك وقد تلاشت جبال المصاعب، واستوت الطرق الملتوية، وهانت كل المشقات. هذا الإنسان ليس شيخاً نافذاً، ولا صاحب مال أو سلطان.. ولن يستطيع أحدهم بما لديه أن يكون إنساناً بمواصفات الإنسان التي نتحدث عنها إلا أن يكون كذلك من غير مشيخة أو مال أو قوة وسلطة. الإنسان “الوداد” هدية الله، بقلبه العامر بالمودة وصدقه الذي لا يعرف الكذب، وإخلاصه المجرد من المصالح وبقوته التي تعتمد على ثقته بنفسه وإيمانه بمعنى الحياة. ليبحث كل واحد منّا عن إنسان وداده ومودته دون أن تكون المصالح المادية حاضرة في علاقتهما، ودون أيّ من العلاقات المصلحية التي لا هدف من ورائها سوى الانتفاع الآني، وفي كل الأحوال لن تستمر كثيراً هذه العلاقات وتلك المصالح، وكل ما يبنى منها سرعان ما ينتهي. إذا ذهبنا بعيداً عن العلاقات الثنائية الشخصية سنجد أن علاقات المودة الصادقة على المستوى الاجتماعي هي الأقوى والأبقى وصولاً إلى العلاقة مع الوطن التي يفترض أنها تقوم على صدق الولاء والمودة وهو مالا نراه في علاقات الكثير من الأحزاب والناس ببلدهم، ولذلك كثرت الأزمات واشتدت المشكلات وتعاظم الصراع، وما لم يصدُق الوداد بين الناس ببعضهم، وبينهم وبين بلدانهم لن تصلح الأوضاع، وإذا ما استمرت علاقات الفيد والمصالح والحسابات الخاصة فسيكون الحال في القادم أسوأ مما كان ومما هو كائن اليوم. بصدق الوداد يمكننا أن نتجاوز حواجز الوهم وأسباب الفشل ومسببات الأزمات، ويمكننا أن نتحاور حواراً جاداً يذيب العوائق ويردم الفجوات ويؤسس لمستقبل أفضل دون أحقاد وكراهية وطموحات لا تحترم حقوق الآخرين في الحياة. رابط المقال على الفيس بوك