الوطن ليس وهماً والمبادىء والقيم النبيلة ليست أوهاماً. الأوهام محلها في عقول أصحابها وفي قناعات الذين تعشعش الأوهام في وعيهم، وبالمناسبة ثقافة الوهم التي تطغى على تفكير البعض تجاه كل شيء تستوجب العلاج لأنها لم تعد حالة طبيعية وإن ظن صاحبها أنه يعي ويسمع ويرى ويدرك مايقول ومايقوله الناس من حوله، هذا الظن هو الوهم عينه أما الحقيقة فهي أنه مريض وحالته لم تعد سهلة. أقول لذاك الذي مال وتمايل ثم أطرق واجماً قبل أن يعلن عن اكتشافه العيب في حق من يدعي عقلاً ووعياً وثقافة.. قال إنه اكتشف أن الذي تعلمه من أبيه وأمه وفي المدارس وماكان يسمعه في الإذاعة والتلفزيون ومن الكثير من الناس كله وهم وسراب. القيم والمبادىء النبيلة وحسن التعامل مع الناس والوطن والأناشيد الوطنية الجميلة وكل ماقد يخطر على بال أحد منا كل ذلك يندرج في قائمة الأوهام عند صاحب الاكتشاف.. لست أدري ما الذي تعلمه من أبيه وأمه ولا أدري إن كان ذلك يندرج ضمن الوهم حقاً فلعل بعض الآباء والأمهات يعلمون ابناءهم ذلك، ومع هذا لا اُجزم أن كل ماتلقاه منهما يستحق أن يصنف ضمن الأوهام وكان حرياً بالمتوهم أن يكون منصفاً لوالديه إن لم ينصف سواهما.. كيف يكون حب الوطن والولاء له وهماً؟ الأرض والإنسان والقيم والاخلاق والعلاقات الاجتماعية والإنسانية السوية ,لماذا تدخل في قائمة الأوهام السياسية والثقافية والمرضية وغيرها من الأسباب التي تقلب الحقائق أوهاماً؟ انظروا كم هو حجم المشكلة عند أولئك ومعهم وكم يحتاج الواقع لتصحيح هذا النوع من الثقافة المهترئة والتي لاترى في الوجود شيئاً جميلاً , وتتعاطى مع كل شيء من منطلق الوهم فلا حقيقة ولا مبدأ يقنعه بغير مايتوهم ,ويصر ويدافع عن أوهامه باعتبارها حقائق وقناعات لاتتبدل ولا تتغير ولاشيء يثبت فشل وكتشافه، وللأسف أن له انصاراً يقاسمونه الفكرة ويشاركونه الوهم ولا استبعد أن يعمد أولئك إلى تأسيس رابطة أو حزب أو تنظيم أو جمعية أو مركز يهتم بفكر الوهم والمتوهمين ,ومن أهدافه إقناع المجتمع بأنهم يعيشون في دائرة الوهم ويتنفسون هواءه ,ويسعون في ارضه وتحت سمائه .. لا استبعد أن يصبحون يوماً وهم على قناعة أن قوانين الطبيعة والكيمياء وغيرها كلها أوهام ولاحقيقة سوى مايقولون. المحزن حقاً أن يستسلم الإنسان لضغوط السياسية والمال وربما الظروف الشخصية فيتحول مع الأيام إلى مريض يصعب علاجه.. لم يدرك صاحب الاكتشاف أن كلامه كان ثقيلاً على مسامع الناس من حوله حتى بني حزبه ومن تجمعه بهم نفس المقرات..فالمسألة لم تعد في نطاق حرية الرأي ولا حرية الاجتهاد ,لكنها صارت في نطاق حرية الوهم والتوهم.. في هذا النطاق كل شيء عدم ,ويجري التعاطي مع الأمور من باب الحقد والكراهية الشخصية والانتقام من الجميع وقد لاتكون هناك اسباب لحالة من هذا النوع لكن صاحبها اقنع نفسه أو اقنعه غيره بما يتوهم ويحسب أنه على الحق المبين. الوطن ليس وهماً ولامجالاً لفلسفة الأوهام وتزيينها.. الوطن ليس اناساً ولا أموالاً ولا مصالح شخصية.. الوطن مفردة أسمى وأجمل، والأناشيد الجميلة هي عنوان انتماء عبّر عنها كاتبها أو مغنيها فكفوا عن هذا الوطن شر أوهامكم وثقافتكم.