بالرغم مما ما تثبته الحقائق على الواقع بإضعاف تنظيم «القاعدة» ميدانياً في بلدنا اليمن منذُ تولي الرئيس عبدربه منصور هادي الرئاسة بانتخابات 20 فبراير 2012م واتخاذه عدداً من الخطوات والتدابير الأمنية والعسكرية أدّت إلى تحرير محافظة أبين ومديرية عزان في شبوة وتوجيه ضربات موجعة إلى تنظيم «القاعدة» وجناحه المحلي، وما تحقّق من نجاحات أمنية في ضبط خلايا نائمة لتنظيم «القاعدة» خلال هذا الأسبوع في عدنوصنعاء، واكتشاف يوم الاثنين 13مايو 2013م عبوة ناسفة تزن سبعة كيلوجرامات بجوار جسر مشاة في شارع الستين الجنوبي بصنعاء، وقبلها بيوم تم ضبط خلية في إرهابية عدن كانت تخطط لتفجير مصافي عدن ومقتل أحد أفرادها واعتقال اثنين من عناصرها بحسب ما أوردته وكالة «سبأ» للأنباء واعتقال ستة أشخاص يُعتقد انتماؤهم إلي تنظيم «القاعدة» بينهم اثنان تم ضبطهما أثناء محاولتهما التسلُّل إلى العاصمة عبر منفذ “الأزرقين” الذي يربط صنعاء بمدينة عمران المجاورة، واعتقال أربعة آخرين في مناطق متفرقة داخل المدينة، إلا أن ذلك لا يبعث على الاطمئنان عن وضع التنظيم والتقليل من خطره خصوصاً بعد اغتيال الثلاثة الطيارين الأربعاء الماضي في 8 مايو الجاري مع استمرار مخاوف الخارج من هذا الوضع وتعقيداته وبروز عدد من الاحتمالات الناتجة عن الضربات الموجعة التي تلقّها التنظيم العام الماضي التي قد تكون أجبرته على الانجرار وراء التناقضات الحزبية بين أطراف الأزمة السياسية في اليمن والوقوع في الفخ لخدمة هذا الطرف أو ذاك أو باستفادتها من ظهوره وأنشطته بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتحقيق مكاسب سياسية، وتصدير التهم لهذا الطرف أو ذاك والعمل من (التنظيم) شماعة لإلصاق به بعض الأنشطة للضغط على الخصوم أو العكس أن التنظيم استطاع استغلال الصراع السياسي محاولاً إعادة إحيائه بما يمهّد للقيام بأعمال العنف بين المتصارعين سياسياً لإفساح المجال أمامه للظهور ميدانياً.. والمتابع للشأن اليمني يجد أن هناك ترابطاً وثيقاً بين المسار السياسي والأمني في مراحل التسوية للأزمة السياسية التي تمر بها اليمن ولا يمكن فصلهما، كما يتضح أنه مع بروز أي ملامح للفشل والتخبط السياسي أو الاصطدام بمعضلات في المسار السياسي نفاجأ بعودة الأنشطة وحركة الخلايا النائمة لتنظيم «القاعدة» ليس بالنظر إليه على أنه قد ربما يكون أداة من أدوات الضغط؛ بل لأنه يجد في الانسداد السياسي الطريق المناسب الذي يُمكّنه من التحرك لإشعال الصراع السياسي، وهو ما يؤكد أن أنشطته وتكتيكاته تُدار وفق ما يفرزه المشهد السياسي وإقحام أطراف الصراع في تبادل الاتهامات وتصديرها كل إلى الآخر، مع التأكيد والتسليم أن هناك قوى في جميع الأطراف تسعى لإعادة البلد إلى مربع العنف كنتاج منطقي لاصطدام المصالح الحزبية الخفية مع أهداف ثورة الشباب بعد أن نجحت تلك الأحزاب في التكيُّف الشكلي مع مرحلة التغيير التي بدأت بمرحلة تسليم السلطة وانطلاق الحوار لهدف أصبحت ممارسات تلك الأحزاب والقوى التقليدية تكشفه وهو (احتواء الثورة والتغيير، ثم العودة إلى إنتاج الماضي والسلطة) لكن بعباءة جديدة أُضفي عليها التغيير في الشكل فقط دون المساس بالجوهر، وهذا أمر مخيف ليس لنا اليمنيين؛ بل أخاف الخارج، حيث أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما منتصف الأسبوع استمرار حالة الطوارئ الوطنية إزاء اليمن وبالتالي تمديد العقوبات المفروضة منذ العام الماضي حتى مايو 2014م، بالتزامن مع تصاعد المخاوف الرسمية اليمنية من مخطط وشيك لتنظيم «القاعدة» لشن هجمات داخل البلد، حيث رفعت السلطات الأمنية هذا الأسبوع حالة التأهب لمواجهة أية محاولات لتنظيم «القاعدة» لتنفيذ هجمات داخل العاصمة صنعاء بالترافق مع تشديد تدابيرها الأمنية والعسكرية على المنافذ الحدودية التي تربط العاصمة صنعاء بالمدن المجاورة، وإجراءات الحماية المفروضة على المنشآت الحكومية وتعزيز الحراسات المرافقة لمواكب السفراء والدبلوماسيين العرب والأجانب في اليمن. هذه المؤشرات تضعنا “نحن أفراد المجتمع” أمهات وشباباً ورجالاً ونساء أمام واجب مجتمعي ينبغي القيام به باعتبار أننا أصحاب المصلحة الحقيقية في بلدنا من الاستقرار السياسي والأمني والذي يتطلّب من الجميع العمل على إفشال أية محاولات لإعاقة التغيير الذي ارتضاه اليمنيون واتفقوا عليه في 23 نوفمبر 2011م وحل الإشكاليات والمعوّقات وبروح تتسم بقبول الآخر، ووضع مصلحة الشعب فوق كل المصالح، والتسليم أن التغيير السلمي هو الطريق الآمن لإنقاذ مجتمعنا من السقوط إلى الهاوية أو الدخول في منعطفات خطيرة، والعمل على مضاعفة الجهود والنجاحات التي حقّقتها أجهزة الأمن في شل نشاط تنظيم «القاعدة» وضبط عناصره، والقبض على من يرتكبون الاغتيالات وإجهاض أية محاولات إرهابية قبل وقوعها، فالقبض على المتهم في اغتيال الثلاثة الطيارين بمحافظة لحج بعد يوم من ارتكاب جريمته في 8 مايو، والقبض على خلية إرهابية كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية لتفجير مصافي عدن ومقتل أحد عناصرها دون أية خسائر في صفوف الأمن يوم الأحد الماضي 12 مايو، والقبض على ستة من «القاعدة» في مداخل صنعاء واكتشاف عبوة ناسفة تحت جسر شارع الستين ، كل هذه مؤشرات إيجابية سبقتها نشاطات وإجراءات رفعت مستوى اليقظة لدى رجال الأمن وحسّنت أداء الأجهزة الأمنية. هذه النجاحات هي ثمرة من ثمار تلك الإجراءات إلى جانب انطلاق حملات التوعية الأمنية في الأشهر المنصرمة، وتمتين علاقة الأمن بالمواطن، وإصدار أحكام قضائية بحق عدد من الإرهابيين، وعدم رضوخ القضاة لتهديداتهم، وغيره من الأعمال والظواهر الإيجابية التي ساعدت في تحقيق تلك النجاحات، لكن يجب علينا مضاعفة تلك الجهود الأمنية والقضائية والمجتمعية، فالمواطن الذي أبلغ عن تلك العبوة الناسفة في جسر الستين بصنعاء، والآخر الذي أبلغ عن عناصر مشبوهة في ضواحي صنعاء تُعد ظواهر إيجابية ينبغي تشجيعها لمواصلة استمرار فرض العزلة المجتمعية على هؤلاء الإرهابيين صانعي الموت ونبذ فكرهم المتطرّف والتحقق من أي نشاطات أو تحركات مشبوهة للعناصر الإرهابية في الأحياء السكنية، ورصدها حتى وإن تلوّنوا بهيئات وأشكال جديدة، فيجب التحقّق منهم والإبلاغ عنهم، والحذر منهم، وتعزيز التعاون الشعبي مع رجال الأمن لإجهاض مخططاتهم التي تقتل أفراحنا وتعيق بناء مستقبل وطننا الحبيب، وعدم السماح لهم باغتيال أحلامنا، والعمل بما يحثنا ديننا الإسلامي الحنيف على القيام به الذي يدعونا إلى التعاون في عمل الخير ورفض الشر والعدوان، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالتعاون على البر والتقوى، ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة «المائدة»: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}. فجدير بكل مسلم وكل مسلمة في أنحاء الدنيا أن يحفظوا هذا العمل، وأن يعنوا به كثيراً؛ لأن ذلك يترتّب عليه بتوفيق الله صلاح المجتمع، وتعاونه على الخير، وابتعاده عن الشر، وإحساسه بالمسؤولية، ووقوفه عند الحد الذي ينبغي أن يقف عنده. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك