من خلال المتابعة لما أفرزته الثورات العربية من تصدر الإسلاميين للمشهد السياسي في الكثير من بلدان الربيع العربي وما سبقه أيضا من فوز حركة حماس في فلسطين يؤكد بوضح أن الشعوب العربية باتت تتوق إلى المشروع الإسلامي بعد غياب طويل له بسبب الحكومات والإيديولوجيات التي حكمت المنطقة للفترة الماضية حيث عملت هذه الحكومات والتيارات الإيديولويجية على تشويه هذ المشروع ورجاله وتخويف المجتمعات العربية والدولية من الإسلاميين وما يحملون. خرجت الشعوب العربية من صمتها وقالت كلمتها نعم للإسلاميين سواء في تونس أو ليبيا أو المغرب أو مصر وربما في سوريا واليمن أيضا، وبذلك خرج المشروع الإسلامي إلى النور من خلال وصولهم أو قرب وصولهم إلى سدة الحكم. فالأمر عند عقلاء الإسلاميين لا يقتصر بالوصول إلى السلطة فحسب، فذلك ربما يكون بسبب عامل الاستبداد الذي لاقته الشعوب من الأنظمة السابقة، أو ربما لم تجرب الشعوب المشروع الإسلامي بعد، فالمشكلة إذا تكمن في نجاح المشروع الإسلامي أو ما يحمله الإسلاميون، وكسب تقه الجماهير بهم، لأن الفشل سيكون سيفا مسلطا بيد المعادين للإسلاميين ليس على الإسلاميين فحسب كونهم يحملون اجتهادا ورؤى ذات طابع بشري يستمد مرجعيته من الشريعة الإسلامية، بل على الشريعة الإسلامية ذاتها. ومن ثم فشلهم وإقصاءهم من جديد. لذلك فإن المتابع للحالة الإسلامية يدرك أن الإسلاميين لم يشعروا بالرفاهية والزهو والانتصار، فالمعركة القادمة أمامهم أشد وأكبر من مجرد وصولهم إلى الحكم، فهي تحتاج إلى وعي بطبيعة الزمان والمكان، وترتيب الأولويات وفق حاجات الناس الحالية. حاجات الناس أولا وفقا للمنهج الإسلامي فإن أبرز حاجات الناس الأساسية الأمن من الخوف والطعام من الجوع، وهو الأمر الذي يحتم على الإسلاميين الوقوف عنده كثيرا وتركيز جل اهتماماتهم في سبيل تحقيق هذين المطلبين، وهما لبنتان أساسيتان لبناء الأوطان وتحقيق النهضة المنشودة. الحرية قبل الشريعة الإسلاميون مطالبون قبل غيرهم بفتح أبواب الحريات العامة، وأن تكون الحرية هي اللبنة الأولى التي يجب وضعها في سلم الأوليات التي يجب مراعاتها في المرحلة القادمة، فثورة الشعوب التي جاءت بهم ما قامت إلا من أجل الحرية، فربما تقوم مرة أخرى عليهم إذا لم تجد هذه الشعوب الحرية التي تطمح بها. قضية الحرية والديمقراطية الحقيقة ستكون التحدي الأبرز في علاقة الإسلاميين مع غيرهم، لأن ما يشاع عن الإسلاميين أنهم يؤمنون بالديمقراطية لمرة واحدة فقط، وهي التي توصلهم إلى الحكم، فعليهم إذا التأكيد قولا وفعلا على احترام إرادة الجماهير أي كانت خصوصا بعد وصولهم إلى الحكم لأن الخبر ليس كالمعاينة. المسافة بين الحريات العامة والهدف الأساسي للمجتمع الإسلامي المنشود في رؤى وأفكار الإسلاميين مسافة شاسعة تقصر وتضيق هذه المسافة بقدر وعي الإسلاميين بالنماذج والتطبيقات التاريخية وكيف فتح الإسلام الحريات بأنواعها المختلفة، ابتداء من حرية الاعتقاد إلى حرية الانتماء السياسي والرأي والرأي الآخر، والحرية الشخصية والتأكيد على (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر). العلاقة مع الغرب من الإشكاليات التي تمثل تحديا أمام الإسلاميين تحديد طبيعة العلاقة مع الغرب، فمسألة الانفصال عن الآخر صارت غير ممكنة، ليس بسبب تقدم وسائل الاتصال التي حولت العالم إلى قرية كونية، بل لأن طبيعة الحياة المعاصرة في المجالات المخلتفة كالاقتصاد والقانون والإدارة والطب والحاسوب وتنظيم المدن، تقود إلى هذا الاشتباك والتداخل على المستويين الفكري واليومي، وفي ظل تلك العلاقة المعقدة تبلورت مقولات الغزو الثقافي وصراع الحضارات، وأفضت إلى رؤى اطلاقية تحتم على الإسلاميين الكثير من المراجعة والتأمل وإعادة الفحص. إن مبدأ العلاقات السلمية مع الدول والشعوب الأخرى ومؤسسات النظام الدولي، يعزز الاعتماد المتبادل والعلاقات المتكافئة والتعايش السلمي ويحقق قيم العدل ويضمن قيام العلاقات الخارجية علي أساس من الأخوة الإنسانية التي أرّست قواعدها الشريعة الإسلامية، قال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..), فالعلاقات الخارجية تقوم على التكامل الحضاري كمبدأ لتحقيق التنمية والعمران. مع التركيز على أن التبعية المطلقة للغرب والتي عاشتها الأنظمة العربية السابقة كانت واحدة من أهم الأسباب التي دفعت الشعوب للثورة، وبالتالي فإن القضية تحتاج إلى توازن يراعي المصالح العامة للشعوب ويحقق مبدأ الاستقلال. الانتقال من فقه المعارضة إلى فقه السلطة من الإشكاليات القائمة أمام الإسلاميين ورغم تبنيهم لفقه متحرر يتناغم مع العصر إلا أنهم لا زالوا بحاجة ماسة لفقه من نوع أخر، هذا الفقه يركز أساسا على متطلبات الحكم والسياسة والعلاقات الدولية وقضايا الاقتصاد المتداخلة. قد لا يكون هذا الفقه غائبا على قيادات العمل الإسلامي، لكنهم بحاجة إلى تنزيله على أفراد تنظيماتهم كمرحلة أولى ومن ثم الجماهير التي منحتهم الثقة، يركز هذا الفقه على ردم الهوة بين الرؤية الفقهية وواقع الحياة في أطرها المختلفة، أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. فالمتغيرات الضخمة التي تجري في العالم اليوم تتطلب مواكبة تأصيلية تجديدية تمهد الطريق لنمو تيار راشد وقوي على التعامل معها، وتحفظ الصورة الايجابية التي اكتسبها الإسلاميون لأنفسهم، وتدفع بهم إلى المزيد من الاعتدال والوعي. هذه المرحلة هي الأولى للإسلاميين في الحكم، وأهميتها أنها ستقدم الانطباع الأولي عنهم بين الجماهير، كما أنها ليست بالطويلة، وعليه فعلي الإسلاميين استغلال عامل الزمن، فالوقت الذي سيقطعه الإسلاميون لتحقيق مشروعهم الوطني والإسلامي هو الذي سيحدد صورة المستقبل بالنسبة لهم، فإما الانطلاق نحو التطور والتجديد والتنمية لأوطانهم وكسب المزيد من ثقة الجماهير، أو الانتكاسة باتجاه الفشل والهزيمة أكثر مما كانوا عليه من قبل. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك