استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    مركز الإنذار المبكر يحذر من استمرار تأثير المنخفض الجوي    مليار دولار التكلفة الأمريكية لإحباط هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    الحكومة تطالب بتحرك دولي لوقف تجنيد الحوثي للأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    "ابتزاز سياسي واقتصادي للشرعية"...خبير اقتصادي يكشف سبب طباعة الحوثيين للعملات المزيفة    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    إصابة 3 أطفال بانفجار مقذوف شمالي الضالع    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور أحمد كمال ابو المجد ل«الجمهورية»:
عبقرية الشعوب العربية في الحروب الأهلية ويتجلى عجزها أمام العدو الحقيقي
نشر في الجمهورية يوم 29 - 12 - 2012

سياسي ومفكر إسلامي مصري. عمل مع الشباب وقضاياهم فقد أعطى من عمره ما يزيد عن العشرين عاماً مدافعاً عن الشباب واليه يرجع الفضل في انتشار أقوى تنظيم شبابي سياسي عرفته مصر في الستينيات وأوائل السبعينيات عندما قاد منظمة الشباب وعلى يديه تشكل التنظيم الطليعي الذي قدم لمصر كوادر سياسية رائعة.. إنه الدكتور احمد كمال ابو المجد الذي ما ان تجلس امامه الا وتجد نفسك امام موسوعه حوت الكثير من علوم الثقافات والدين والعلم والمعرفة التي حاولت «الجمهورية» أن تستخلص منها بعض ما يساعدنا على فهم الواقع الذي يمر به عالمنا العربي وكان هذا الحوار بمكتبه في القاهرة.
كيف تري الوضع الذي نمر به في عالمنا العربي وما هي الحلول ؟
عندما تكون عندنا مشكلة ترجع إلى تراكمات، الأمة العربية تخصصت في بلاء كبير جدا خاصه في الوقت الحاضر، والعالم كله يواجه تحديات، هناك فرق بين التحدى والفتنة، الحديث الشريف يقول: «اتقوا فتنة تذر الحليم حيراناً»، وتتداخل الخطوط وتتقاطع الخيوط، والناس لا تعرف من أين تعالج المشكلة، هذه هي الفتنة ونحن في شيء من هذا لأننا أدمنا شيئاً كإدمان المخدرات، الشيء الذي نحبه نراه ولو لم يكن موجودا، والشيء الذي نكرهه لا نراه ولو كان يعلن عن نفسه مائة مرة كل يوم، فتكون النتيجة اننا نصاب بفصام سياسى، “شيزوفرينيا” سياسية، نعيش في عالم لا وجود له، نحن نعاني من هذا بدرجات متفاوتة، من ثمرات هذا الخلل في الرؤية أننا أحيانا نعمل على خريطة محلية للغاية، هناك أنصارك وخصومك والمشاكل، بينما أنت أقلية في بلدك، مخابرات العالم هي الأغلبية، ولا أريد أن أستعمل كلمة المؤامرة لأنها تثير حساسية، مع أن المؤامرة موجودة ، إنما هنا ممكن تسميها تخطيطاً لخدمة مصالح البلاد العربية، هذا موجود في كل وقت، الذي لا يراه اسمح لي يجلس في بيت أمه وأبيه، حتى يتوفاه ملك الموت بعيدا عنا، لا نقول له صباح الخير ولا يقول لنا مساء النور، لابد أن نعمل على خريطة واقعية، إنما ننضم لأنفسنا ليس لها لزوم، حتى ننبسط بعض الشيء، هذه سعادة مدمن المخدرات، يأخذ قطعة هكذا وينبسط بها ويضل ضلالا بعيدا، الأمر أجل من هذا وأخطر، لأننا نتحدث عن عشرات الملايين من الأمة العربية، هؤلاء المئات هل نسلمهم إلى كل مصير، السيناريو بتاع كل مغلوط، أو نعطش جدا أو ننفعل جدا، نحن عندنا الغضب جمرة تحذف العقل، فكل تصرفاتنا فيها غضب، ليس معقولا، أليس فيكم رجل رشيد؟ إنما هي أعمالكم ترد إليكم، فالله جل شأنه ليس عضوا في الحزب الوطني أو مساهم بحركة 6 ابريل ونستغفر الله علي ذلك ، ربنا وضع لنا نواميس إذا صرنا عليها نصل ولسنا أقل، نأخذ دولتين فيهما الأغلبية مسلمة، ماليزيا وتركيا. ماليزيا بدأت في وقت مقارب للثورات العربية القديمة ، عملت إنجازا كبيرا، وهي بدأت في سنة 54 ، وعملت إنجازا كبيرا جدا في التعمير، مع إن عندهم مشكلة أعقد من مشاكلنا، أعقد من مشكلة السنة والشيعة، إنما عندنا الصينيون البوذيون والمسلمون العلويون، هذا عالم وهذا عالم آخر، حتى في عالم الأزياء ترى الصينيات البوذيات متكشفات، والمسلمة محجبة، لكنهما لا ينتقدان بعضهما، ولا تسمح بأن تقول لها لماذا أنت تفعلين بنفسك ذلك. إنما تتنافسان في خدمة الزبون، فإنني أذكر جيدا عندما ذهبت إلى هناك كنت قد أجريت عملية في ظهرى في ميونخ، وكنت أريد أن أهدي هدية للسفير المصري، فرأيتهم يعرضون تخفيضات في الكريستال، وكان التخفيض في حدود 60 %، يعنى البضاعة التي ثمنها مائة دولار، نأخذها بأربعين دولارا، فقلت فرصة، وبعد أن أجريت العملية قلت له إن ظهري يؤلمني ولن أستطيع أن أحملها، فقال لى أين تسكن؟ قلت له في فندق على بعد مائة متر، فقال أترك لنا اسم الفندق ورقم الغرفة، وقبل أن تنهي باقي مشترياتك ستكون قد وصلت إليك بضاعتك على السرير في الغرفة التي تقيم بها، أردت أن أدفع التكاليف، فقالت لى إننى أراك مريضا ودفع الحساب في الدور السفلي، نزلت ودفعت لي، فأعفونى من حمل المشتريات وكذلك دفع التكاليف، هكذا تكون خدمة البيع. ومع وجود أيضا الابتسامة الجميلة والتعامل الحسن وكأنني الزبون الوحيد عندهم، بينما نحن نعذب بعضنا بعضا، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، واستغنينا بالكلمة عن الفعل .
ما الأسباب التي أ دت إلى ما وصلنا إليه؟
أعتقد أنها أسباب ثقافية وسياسية، السبب الثقافي أن الوعي العام شديد الغضب، وأن النظام الإعلامي يضلل، وأن النظام التعليمي لا يكاد يعلم، نحن عندنا شعوب منتفضة، في حالة انتفاض طوال الوقت، وأتقنت فن الحرب الأهلية، بقدر ما عجزت عن فن الحرب غير الأهلية، فالعبقرية كلها تظهر في الحرب الأهلية «حرب الشوارع »، بينما نرى العدو الحقيقي فتظهر خيبتنا.
الجزء السياسي لسنين طويلة لدرجات متفاوتة، الحكومات كانت حكومات قهر، إما قهر بالتضليل الإعلامي، وإما قهر بالسجون والمعتقلات، والإنسان ليس كل واحد يرتدي خوذة، أنا أذكر عندما كانت هناك إضرابات في جامعة عين شمس، فجاء رئيس الوزراء عزيز صدقى - عليه رحمة الله - وممدوح سالم، وأنا كنت وزير الشباب، فقال وزير الداخلية: إن الطلبة اعتدوا بالحجارة على الأمن، لذلك سوف نغلق الجامعة لمدة أسبوعين، فانزعج جدا وزير التعليم العالي، كان - الله يرحمه - د. شمس الوكيل، ومدير جامعة عين شمس د. إسماعيل غانم، فقال: “أنا لا أعرف من الذي ضرب من، وأنا عند اختياركم لي رئيس جامعة سأحضر وأنا أرتدي خوذة، واترك حمل الكتاب”. وهذا كلام معقول، فقلت لهم لا تقلقوا، أنا سوف أحل لكم هذه المشكلة، واجتمعت معهم، فقالوا لنا: لابد أن تصدروا بيانا يذاع في نشرة الثامنة والنصف، وجاءت الساعة الثامنة وعشر دقائق، فصعدنا وكان الدكتور عزيز حلمى قد وصل فقال أين البيان، فقلت له لا يوجد بيان، قال كيف؟ فقلت له في الحقيقة رئيس الجامعة ليس عنده معلومات من الذي ضرب من، وإذا كان لابد من بيان فليصدره وزير الداخلية، فغضب منى جدا الدكتور عزيز صدقى، وقال لي: أريد أن أعرف، أنتم معنا أم مع الطلبة؟ فقلت له طبعا مع الطلبة، فازداد غضبا، فقلت له هؤلاء هم جمهورنا، فأنا سهران معهم على الأرض في الجامعة وساند ظهرى إلى الحائط، نقول لهم أعملوا شعارات داخل الجامعة أو تحركوا داخلها، لكن خارج الجامعة سوف تصطدمون بالشرطة، هذا عملنا، وهم جمهورنا لابد أن نحافظ عليهم، والنظام يستفيد من هذا، لكن أن نقول لهم من الذي ضرب، فلا. فأنا أريد أن أقول إننا نحتاج إلى تغيير في الثقافية السياسية، وأيضا في الثقافة الدينية، فالاختلاف سنة من سنن الله ، ولا يزالون مختلفين، لكن أن أحول هذا الخلاف إلى حرب أهلية، هذا أمر غير مقبول.
هل نحتاج إلى ثورة علي الخطاب الديني مثل الثورة السياسية التي حدثت علي المستوى السياسي؟
بالطبع نعم، وأنا عندي مقال كتبته سنة 2002، بعنوان «حول الخطاب الدينى المعاصر»، وقد تم ضمه إلى أحد الكتب.
لو وضعنا عملية إسقاط للوضع في اليمن ربما يكون في اليمن هو أكثر محور الحديث؟
أريد أن أسألك ما الذي يجري في اليمن؟ أنا دائما أقول العلوم تلتقي، ابتداءً من القانون إلى الطب إلى السياسة. الطبيب عندما يحضر أو تذهب أنت إليه يقول لك: ما الذي تشتكي منه؟ هذه ما نسميها الأعراض، فتقول له عندى ألم في المعدة أو عندى صداع، فهذا تشخيص لابد من البداية منه، طب الطبيب لا يبدأ إلا بعد أن يكتب هذه الشكوى، بعد ذلك ندخل في العلاج، ولابد ألا يكون بدواء جاهز، الصيدلية بها نوعان من الدواء إما دواء جاهز أو تركيب، لأن ما يتعطاه مريض عنده السكر، غير الآخر الذي لا يوجد عنده السكر، فهنا نحن نحضر دواءً مطابقاً لاحتياجات هذا المريض. وبالتالى يحدث بحث في الحلول المتاحة، وتقييم للوضع، هل هذا يناسبه أم لا، لكننا نرى مثلا واحداً يقول لنا : الإسلام هو الحل، الإسلام على أي تفسير، لكن ذلك عند العرب كله ماشى، فالمشكلة اليمنية بالنسبة لغير اليمنية غير واضحة، وتصاعدت علي مراحل
في اعتقادك معالى الوزير ما أخطر الأزمات التي يمكن أن تمر بها اليمن خلال الفترات القادمة أو ما بعدها؟
هي آفة عربية واحدة، العجز عن العمل الجماعي القائم على توافق، وادخال وتحجيم الخلافات الجزئية بالمشترك الأكبر، وإلا ستجد باستمرار سبباً للخلاف، فمثلا في مصر أن كل البيانات والمعلومات المعلنة الصادرة من الأحزاب المختلفة، ومن التجمعات التي أصبح تعدادها بالعشرات، هناك إجماع على ثلاث قضايا رئيسية، قضية المشاركة في الحكم، مشاركة طوعية ليست مبنية على الضغط ولا القهر، ثانيا الإيمان بالحرية وتوظيف هذه الحرية بما يخدم الجماعة فعلا، والثالثة هي العدالة الاجتماعية، التي تسهل التجمع، لأنه عندما يكون عندنا أغنياء جدا جدا، وناس فقراء جدا جدا بينهما برزخ لا يبغيان، لن يتفقوا ابدا فإننا نركز على المشتركات والمرحلة القادمة نتكلم في أمور مختلف عليها، هل القيامة سوف تقوم غدا؟ اليوم عندما نكتشف أن هناك قواسم مشتركة بين 85 % من المجتمع، هذا يكفي وزيادة، فمثلا ساركوزى فاز بكام في المائة في فرنسا؟ حوالي 50 أو 52 في المائة، وعندما أعلنت النتيجة سار وراء خصمه وقال سأعاونه بالمشاورة والنصيحة. هي الديمقراطية هكذا، ولا نجلس نحن أبد الآبدين نطعن في نتيجة الانتخابات، وهل كانت الانتخابات لا تزور إلا اذا كان أهلها عرب، هذا شيء محزن جدا. فأنا أقول الأمة العربية لم تعد عربية، لأن ثقافتها ليست عربية، العقل لم يعد عقلا عربيا، التراث لا يعلمه أحد، حتى اللغة اختلفت، فأنا دارس قانون مقارن وحاصل على شهادة من جامعة متشجن، لم أر أدق من كلام علماء الإسلام في هذه الجزئية، وسوف تستغرب أنني قرأت في هذا الكلام كله لإمام حنبلي، ابن القيم الجوزي، وأنا أحفظه عن ظهر قلب، فهذا يستحق أن يكتب بالإبر على أكفان البصر. حيث يسرد في باب المصلحة، تحته يقول ماذا: “هذا مقام صعب، ومعترك دنك، وهو مزلة أ قدام، ومظلة أفهام، قصَّر فيه أقوام، فجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، وسدوا بذلك على أنفسهم وعلى الناس، طرق كثيرة من طرق الحق والخير، ظنا منهم أنها تنافي شريعة، ولكنها للحق لا تنافي شريعة، لكنها نفت ما فهموه هم من الشريعة” هذا كله وصف من قبل هذا العالم الحنبلي ونكمل التشخيص فيقول “والذي أحدث لكم ذلك نوع التقصير في معرفة الحق ومعرفة الواقع وتنزيل حديث عن الآخر، في رأي الناس أن حياتهم لا تستقيم، إلا بشيء وراء ما فهمهم هؤلاء إلا من الشريعة، أحدثوا شرا طويلا وفسادا عريضا وأعرض بعضهم عن جملة الشريعة، واعلم أن الشريعة عدل كلها، وقسط كلها، ورحمة كلها، وأن كل مسألة خرجت من العدل إلى الظلم، ومن القسط إلى الجوهر، ومن الرحمة إلى ضدها، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل”
أين النهضة؟
العالم الآن لم يتغير ولكن يتغير باستمرار، فالذي يعمل على الخريطة القديمة لا ينفع، فلابد أن يكون تواصلنا مع الواقع تواصلاً إيجابياً ومستمراً، لنكون جزء، فالبشرية تتحرك كتلة واحدة، فلا ينفع أن نأخذ جانبا إطلاقا، وتقول أنا مختلف مائة في المائة، إنما ياكل الذئب من الغنم القاصية، العالم كله الآن يتحرك في اتجاه حماية حقوق الإنسان. في اتجاه حرية التعبير، في أن تكون المحاكمات لابد أن تكون عادلة، الإجراءات تكون آمنة ، ألا يكون هناك تفرقة بين الناس في تطبيق سيادة القانون، ولا يوجد أحد كبير على القانون، ولا يوجد أحد ضعيف على حماية القانون، هذا كله غائب عن المجتمعات العربية. سيادة القانون عنده أن تحقق مطالبه هو، أما مطالب الآخرين فيقول لك «اتفلق» أو «اتحرق»، هذه ليست أمة، أنا أؤكد فقط المفارقة بين الثقافات عندما أكون مستشارا ثقافياً في واشنطن لمدة ست سنوات، وهناك منظمة عربية اسمها منظمة الطلبة العرب، واجتماعاتها كانت خناقات، وعندهم حاجة تسمى قواعد إدارة الاجتماعات، إذا قدم اعتراضا أو قدم استدراكا، قواعد إجرائية جميلة جدا, وقواعد برلمانية, إذا كنت أنا حضرت مع أمريكان يتبعون هذه القاعدة في صمت, لا يتحدثون عنها لكنهم يعرفون أن هذه القاعدة تتضمن كذا وكذا, مؤتمر وزارة الطلبة العرب كله خناقات, كنت أعالج هذه الخناقات, كيف.. كان هناك شاب عراقي يغني غناء جميلا , وشاب مصرى يعزف على العود. العراقى كان بالمصادفة اسمه قدورة, والمصرى اسمه قدرى فأنا كنت أحضر كمراقب وعندما أرى أن الجلسة سوف تشتد فكنت أرفع الجلسة لمة نصف ساعة والأخ قدورة والأخ قدري يسمعانا شىء ظريف, وعندما تهدأ الأعصاب نرجع مرة أخرى. هناك ميل ثقافي إلى اجترار الحوار وتعثره, بينما هناك يلمون الشمل, وعندما أذكر حكاية ساركوزى فنرى التعاون بين الرئيسين, رغم أنه 51 % و 49 %, وسيستمرون هكذا, وفي إنجلترا أنا أذكر في السبعينيات وكنت قاضيا في محكمة البنك الدولي وكان سنى حوالى 22 سنة, وانتهي بى الأمر لآن أترأس هذه المحكمة, فالسلوك الحضارى نراه كيف يختلف. نعم إن الاختلاف بين وعلينا أن نتعامل معه على هذا الأساس, ونظامنا الإعلامى والتعليمى يبدأن يؤسد ان الكلمة التي نقولها ولا نمارسها , الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية, القضايا بطبيعتها صعبة, لا نستطيع أن نحلها في يوم وليلة, وهناك شىء اسمه الفقه ثلاثة أنواع: فقه المقاصد, ويعنى أن أعرف ما هو هدفي, حتى أقيم نشاطي. الفقه الثاني هو فقه الأولويات, ويعني أنني لا أستطيع أن أعالج الأمر كله في مرة واحدة, إذن فأنا عندى أولويات, ودائما من قواعد الأولويات في الفقه الإسلامي, وهو أن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة. فعندما يكون هناك اثنان من المرضى يقيمان في مستشفي واحد, أحدهما إذا فتحنا النافذة سوف يصاب بالتهاب رئوى, والآخر إذا أغلقنا النافذة سوف يشعر بالحر, فيمسك الجريد ويهوى بها, ولكن لا يفتح الشباك, فدفع الضرر مقدم على جلب المنفعة, وفي أوقات أخرى يقال إن هذا اختلاف حجة وبرهان وليس اختلاف الكيان نفسه, كل واحد ينظر إلى المسألة من منظوره. وانت تحتاج الي الاثنين .
أذكر وأنا في أمريكا وكان حزب المحافظين اكتسح في الانتخابات ولم يكن التليفزيون قد انتشر بعد, فكانوا يفتحون محطة معينة تمر على الدوائر الانتخابية, يسألون فيها الفائز من حزب المحافظين ما رأيك؟ فيقول لهم: أنا سعيد بأننى نجحت لكننى قلق للإجماع, لأن نظامنا يقوم على حكومة قوية ومعارضة قوية, أما إذا كانت المعارضة ضعيفة فيصبح نظامنا كله هش, فيتعرض للضرر. هذه الرؤية غير موجودة عندنا, فكرة أن واحد يمتلك الحقيقة. سأذكر لك واقعة حدثت لى عندما كنت في إنجلترا فكنت أركب مترو الأنفاق لأذهب لأقرأ في مكان ما وكان في هذا اليوم الضباب كثيفا, وإذا بامرأة ومعها ابنها في الخامسة من عمره, كانت تعلمه ألا يصمم على رأيه وكيفية الاختلاف في الرأي, وليس كفرا كما نقول, هل هذا معقول؟! فنحن حتى في المقدسات الإسلام دعا إلى حرية الرأي, فعمر بن الخطاب يؤثر عنه أمران, أن الحجر الأسود يقبله الناس في الطواف حول الكعبة, فقال وهو يخاطب الحجر الأسود: والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولاتنفع, ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. وجاء في الرمل بين الصفا والمروة فقال: ما لنا و الرمل, كنا نتراءى به بين العرب في صدر الإسلام فيعرفون أن لدينا قوة, أما الآن وقد قوانا الله وصار الأمر إلينا فلا لزوم له, هذا وهو أمرعبادي, فما بالنا وأمور الدنيا, التي تتداخل فيها الخطوط وتتقاطع الخيوط, فإذا وظفنا تعدد الرأي لمصلحة الجماعة كان بها, إنما أتشبث برأيى وأقول الموت ولا هذا, وفي الآخر أقول ديمقراطية! ديمقراطية ، ما هي هذه الديمقراطية, هذه ديمقراطية تعسف. فهذه أزمة ثقافية. والسؤال العملي ما هي الحلول للمشاكل التي لا تحتمل الانتظار؟ نحن نحتاج دائما إلى زعامة, والزعامة قد تكون زعامة فرد سياسى, وقد تكون تأثير نخبة من المثقفين تعلى المصلحة العامة على الأجندات الخاصة, يعنى لو تم إقامة شيء اسمه اللجنة القومية للمصالحة الوطنية, وجمعت رؤوس الناس كما كان يقال في صدر الإسلام, “ اهل الشوكة “ فكان يقال أن ما نختلف عليه أكثر مما نتفق عليه, فلا نعرض المجتمع لجمود واستنزاف لدماء ولأموال ومعدات بدون أية فائدة. إذن تعالوا نعمل شيئاً اسمه ميثاق العمل الوطنى, إذا اتفقنا مثلا على عشرين بندا نقول إننا متفقون عليها, وإذا اختلفنا على عشرة بنود نقول إننا مختلفون عليها, ولكن لن نفتح هذا الموضوع الآن, حتى يؤمن بعضنا ببعض ونتعاون والناس تستقر, ولا يوجد تطور بدون إستقرار, ولكن ماأراه الآن من سب ونحار وقتال ليس من الاسلام ، فالإسلام وصف هذا بقوله: أليس فيكم رجل رشيد؟ هو الذي يقرب ولا يبعد ويجمع ولا يفرق, ويعمل على ثلاثة أنواع من الفقه: فقه الأهداف, فقه المقاصد, فقه الأولويات, وأخيرا فقه المآلات والعواقب, يعني لو أن عندى حل تبادلي, فأقوم بتقييم كل حل. هذا سوف يصل بي إلى أين وما هي عواقبه؟ والآخر سوف يصل بي إلى أين؟ وأعمل بينهما مقارنة واختار من يصل بي أولا. الشعوب كلها بتعمل هكذا, إلا الأمة العربية فبأسها بينها شديد, وكلما دخلت أمة لعنت أختها. كيف وما هي آخرتها ؟ الحقيقة الرجل الرشيد في هذه المرحلة, ولا يظن أحد أنه بالمنافسة وبالمغالبة والاستحواذ, ابدا سيخسر الكل, بينما فيه التوافق سيكسب الكل, لهذا أمرنا غريب. كان قد صدر كتاب لموشيه ديان, بعد حرب 67 مباشرة, وعنوانه كان مهينا للعرب اسمه “اضرب يا صهيون”, وقال فيه مقولته الشهيرة: “إذا كان خصومك مثل العرب, فأنت لست بحاجة إلى أصدقاء”. فهم سوف ينفذون ما في نفسك فيه وانت تتفرج, هذه مشكلة كبيرة وعلى النخبة المثقفة أن تغير المعادلة, من لم يبادرنى بالعداوة فهو صديق, داخليا وخارجيا, فنحن نكسب بهذا, ونخسر إذا جعلنا الأصل فيها الخصوم, فما بالنا إذا كانوا أبناءنا. أنا رأيت في المحكمة الكويتية وكنت ذاهبا لأدافع عن أحد الأشخاص, وكان خصمه هو شقيقه, فرأيت المحامي شاباً كنت أدرس له في جامعة الكويت, كان سيقول كلاما يستفز به الطرف الآخر ويفسد العلاقة لأجيال, فطلبت عقد الجلسة سرية, وقلت: إن استمر الأمر بهذا الحال فأنا منسحب من هذه القضية, نحن لم نأت لنفسد العلاقة بين أطراف العائلة الواحدة بسبب أحد المحامين, وفي الحقيقة القاضي كان عاقلا جدا وقال له توقف عن هذا, واجعل جهودك إيجابية للبناء, لأنه كان سيقول له أتأتي لتسامحني بعد أن سببتني في المحكمة وأنا أخوك, هذه هي الأخلاق العربية الإسلامية الأصيلة .
نصيحة توجهها للشباب العربي بشكل عام؟
كفوا عن إعلاء الأجندات الخاصة هذا اولا, ثانيا أحسنوا قراءة الخريطة “المشهد” , ثالثا لاتجعلوا طلباتكم الفئوية أو الحزبية أو الطبقية تعلو على الأجندة القومية, لأن هذا بداية الخلل, يقول لك: إما قاتلا وإما مقتولا, وليحترق الآخرمثلا فهذا لا يجوز .
نرجع إلى الصراع العربى لو سميناه الصراع الإخوانى أو الشيعي – السني وربما استرق هذا لأن اليمن هناك إشكالية في صعدة بالنسبة للحوثيين وعلاقة إيران ودعمها لليمن.. كيف ترى المشهد أو تستقرىء الصورة؟
سلوكنا نحن إزاء بعضنا البعض, الأمر الثاني أن نفتح أعيننا على ما يريده الآخرون لنا,التمزق.. فالتمزق يسهل من مهمتم من يريدون بنا هذا, فيجب أن يكون لدينا من الوعي ما نفوت به هذا الأمر, أما عن الخلاف بين السنة والشيعة فأنا قد كتبت عدة مقالات عن السنة والشيعة والحاجة إلى عمل جديد. فنحن اليوم ألم يفض هؤلاء إلى ربهم فأنا ليس لى شأن, أنا علاقتي جيدة بالإخوة الشيعة في الكويت. كنت أحضر الحسينيات ونتعرف عليهم, وكان شيعة الكويت قبل الأزمات الكبيرة ديوانيات الشيعة مفتوحة, حتى رجال الأعمال عندهم البشري والكاظمي أصحاب توكيل مرسيدس, فالبشري سني والكاظمي شيعي, فذهبت عند الكاظمى حوالى مرتين أو ثلاثة وآتي بعلماء من العراق شيعيين, يمكن المسألة تتم في إطار فقهي, لكننا نبحث عن أن يسب بعضنا بعضا, القضايا إيه, تلك أمة قد خلت. أنا مرة كان معى سائق عراقى شيعى, فكنا ذاهبان لإصلاح سيارتى في يوم عاشوراء, فهو أخذه الحماس, فقلت له أنا أسوق بدلا منك إذا كنت أنت عصبيا, فأراه يترك عجلة القيادة وينظر إلى والسيارة تسير, فيقول لى: يقتلون الحسين, فلماذا يمنعون عنه الماء؟ هل تسألني أنا؟ فقلت له يا أخ مهدى لو كنت حاضرا لكنت سأرفع سيفي دفاعا عن الحسين. فلو سمحت أهدأ وقد السيارة, لأن فكرة الاجترار فكرة مرضية بإمكاننا ان نقي أنفسنا بهذا, والمشتركات كثيرة جدا, فلماذا لا نتعاون فيما اتفقنا عليه؟ ونؤجل القضايا الخلافية فهي قضية معضلة, لأننا عندنا جيل من الإخوة الشيعة يشعرون بالذنب , لكن القضية أكبر من ذلك. ما المطلوب مننا الآن سنة وشيعة؟ لابد أن تكون هناك طريقة للتعايش حتى لا نصبح أضحوكة, فلابد من طريقة للتعايش نحترم بعضنا البعض, فمثلا في كتب الشيعة بعضهم بدأ يهتم بذلك, فنرى مثلا كتاباً مكتوب فيه: وقال عمر فيفتح قوسين ويضع فيهما “ل”, فسألت عن ذلك فقالوا لي إن معناها لعنه الله, أنا سألعن شخصاً مثل عمر لماذا؟ فربنا سوف يحاسبه على خطئه وصوابه, إنما أنا أفتح حرباً أهلية اليوم في أمة مضى عليها 14 قرنا, هذا عمل غير طبيعي لكن تفسيره سهل, فالشعور بالإثم عندما يستوجب, كما حدث عملية تجنيب فتحس بأن الشيعة مختلفون, مع إننا شاهدنا من أئمة الشيعة من كان يعلم فقهاء السنة, فهناك أمثلة معروفة, فالإمام زيد كان يعلم, وكان يحضر مجلسه سنيون, وفي مصر كانت علاقة السنة بالشيعة علاقة طيبة لغاية, وكان في أحيائنا الشعبية يمر الرجل السقا, بأبريق فخار كبير يحمله على “كرشه” وكان يعدي ونحن لا نفهم بين الأمرين, فكان يقول: محبة في الحسن والحسين يا عطشان سبيل, واقعة كربلاء وحرمان الحسين رضى الله عنه اذاً حاضرة في الوجدان لنا اهل السنة. فأنا أتذكر أنه كان عندنا بواب سوداني, وكان يعلق صورا رسم بدائي بالألوان لسيدنا علي بن أبى طالب, سيف علي, ومكتوب عليها من الأدعية علينا دخلت عليك بشجاعة علي, هذه رموز لم يحتكرها الإخوة الشيعة, فهم مسلمون في النهاية, نحن من أسأنا الأدب في حق أسلافنا, ويسعنا أن يكون هناك دعوات تنويرية, فأنا كنت أشرف على رسالة دكتوراه لشاب شيعي, فعندما حضر وقت الصلاة قال لي صلي بنا إماما فصليت. فقلت له أنا ليس عندي أي حرج إطلاقا, ألست مسلما؟ نريد أن نحولها مثل المذاهب الفقهية «حنفي وشافعي ومالكي» , ويوجد الآن أدب الحوار. فإننى عثرت على رسالتين للإمام مالك في المدينة المنورة, والإمام الليثي بن سعد في مصر, تفيضان أدبا, لأن الإمام الليثى بن سعد في مصر أرسل إلى الإمام مالك يقول له إنني بلغني تفتي الناس فكذا وهذه فتوى غير صحيحة, وكان الإمام مالك قد تأخرعليه في الرد, ولم يرسل له مرة أخرى, فأرسل له الإمام مالك يسأله عن عدم مراسلته مرة أخرى, فقال له «خشيت أن تكون استثقلت ما كتبت به إليك فانتظرت حتى أتأكد ان ترحب بهذا, واعلم أنه ما دعاني للكتابة إليك إلا ثقتي فيك, وخوفي على الناس من الضياع إذا ذهب أمثالك, هذا مقامك عندى فاستيقنه, وإذا كان لك أو لأهلك أو لأحد أصدقائك حاجة في مصر فسأكون أسعد الناس بأدائها». وتودوا وتبادلوا الكتابة, هذا أدب الإسلام.
هذا حوار لا مواجهه كما ذكرت في احد كتبك ؟
نعم كما قلت “حوار لا مواجهة” علما بأن هذا العنوان ليس من عندي, أنا أصلا كنت كاتب مقالة في الكتاب اسمها “مواجهة مع مذهب الجمود على الموجود” فاستثقلوها في العربي, وغيروها إلى “حوار لا مواجهة” وهذا هو أصل القصة, وكان أحمد بهاء الدين رئيس تحرير العربي في ذلك الوقت, وكنا نجتمع في بيت أحد الإخوة الشيعة في منطقة اسمها بنيت الجار في الكويت, وكان معنا فهمى هويدي, ومصطفى نبيل – رحمه الله – فكان يدرس مسرح هناك. دائما أضرب مثال للمتشددين, فكنت أقول لهم: أنا لي أصدقاء من كل التيارات, من ضمنهم فهمى هويدى ومفيد شهاب, فأنا ساعات يختلط على الأمر, فزوجة فهمى هويدى ليست محجبة, وزوجة مفيد شهاب محجبة , ولكن من كثرة أن المسألة طبيعية ولا نشغل بالنا بها, فأنا كثيرا ما أنسى من هي المحجبة ومن هي غير المحجبة, “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم”. الإمام الغزالى – الله يرحمه - عندما ذهب إلى الجزائر, والجزائريين بهم شدة بعض الشيء, من يأتي من الأزهر ليدرسوا عندنا لابد أن يزيلوا اللحى, فقال قولته المشهورة: “عجبت والله لهذه التقوى التي يزيلها حلاق”. فعلا معه حق, فالهيبس في الغرب يربون ذقونهم هل حلت عليهم التقوى؟ في وقت من الأوقات ذهبت إلى أمريكا وكانت الذقن في ذلك الوقت موضة, ثم الآن عدلوا عنها وكل واحد حر, أزياء الناس لا استقرار لها, والمقاصد مقدمة, والأمر إذا زالت علته زال حكمه, ذلك لأنه لا أحد يدرس شريعة إسلامية تدريسا علميا مستنيرا, أبو حنيفة قال قولته المشهورة: “علمنا هذا رأي ..وهو أحسن ما قدرنا عليه, فمن جاءنا بخير منه قبلناه”, وكان في مجلسه أقل الموجودين تحدثا. المنهج العلمي الذي يثير القضية, ولكن لا يبدي رأيه في كل قضية. سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عشرين مسألة من مناسك الحج, في العشرين مسألة يقول للسائل افعل ولا حرج, افعل ولا حرج, افعل ولا حرج. أما الآن فتدخل المسجد فتجد مثلا شخصاً أمياً يدفعك من ظهرك حتى يساوي الصف, والآخر يدفعك بالعكس, فقلت له صل أنا أعرف ما الذي أعمله, فلنصلي بدلا من أن يدفع بعضنا بعضا, فهناك أشياء تعلم في المدرسة وفي الإعلام لأن الإعلام هو المدرسة الكبرى, أما الآن فهناك مشكلة التليفون والكمبيوتر والسهر عليه, فأنا اسميه « الشيطان الصغير», فنحن أمامنا طريق رشد يأخذ شكل حالة الطوارىء لا يحتمل التأجيل, التسامح مع الآخر, التعددية نوظفها لمصلحة المجموعة , لكن أن أصر على أجندتي الخاصة وأقاتل من دونها لا يصح.
على ذكر كتاب” حوار لا مواجهة” كتبت فيه الإيمان بالغيب لا يلغي دور العقل.. هل نحن الآن ألغينا دور العقل؟
إلى حد كبير نتيجة الإحساس بالعجز, مصادر الإطار المرجعى لنا, أولا هو القرآن ثم السنة, لكن هناك بعد يجب أن ندركه أكثر تأثيرا هو سيرة النبي صلى الله عليه وسلم, لأن الكتاب حمال أوجه, والناس لغتها العربية ليست قوية, سأضرب لك مثالاً, الآية القرآنية: “إن الإنسان ليطغى” ولم يقل إذا استغنى, بل “أن رآه استغنى”, أي خيل إليه أنه استغنى, فهذا معناها أن الإنسان لا يستغنى أبدا, ولكن يتوهم أنه استغنى, فالقرآن صعب على بعض الناس, فالمتابع لمصر الآن أخاف أن أرى الناس تتكلم بالتركي نظرا لكثرة المسلسلات التركي المعروضة, وتذهب إلى السوق تجد السلع التركية أيضا, فلابد من وجود دور للنظام التعليمى والنظام الإعلامى, ولكن التعليمى أهم لأنه هو الذي يعلمنا, فهو يعطينا نصوصا معينة وكذلك السيرة مهمة جدا, فخير ما يفعل في رمضان بعد قراءة القرآن هي قراءة سيرة النبى صلى الله عليه وسلم. كيف كان يتصرف في المواقف المختلفة. فعندما كانت تسأل السيدة عائشة كيف كان رسول الله في بيته, وكيف تصفيه؟ فقالت: “كان هينا لينا بساما وكان أرق الناس” , هل وجدت في تاريخ البشرية كله من يثنى على العهد البائد؟ القرآن فعل ذلك فقال: “وقفينا بعيسى ابن مريم واتيناه الأنجيل, وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة” , فمثلا إذا جاءت إحداهن بعد أن خلصت الثورة رأت صورة ظريفة للملك فاروق, فعلقتها, دلالة التعليق هذا لا شيء, ولكن هذا لو حدث بعد الثورة بشهر لكان زمانها في طرة أو أعدمت, فالإسلام لم يضع كلمة العهد البائد, لكنه قال أكثر من ذلك: لقد شهدت في دار ابن جدعان, قبل البعثة, حلفا ما أحب لى به عمر النعم, ولو دعيت به في الإسلام لأجبت. يخرج يقول في الاجتماع اتفقنا على الخير وأنا اليوم بعد أن صرت نبيا يوحى إلى ودعيت بحلف الفضول لاستجيب, إذن نحن انتماؤنا للخير وليس لحزب ما. نذهب إلى الحزب الذي يتفق مع رؤيتنا, ولكن علاقة الأحزاب لا تكون علاقة قطيعة, ولكن تكون علاقة تعاون فيما اتفق عليه, ويعذر بعضنا بعضا, والدنيا كلها مفتوحة لنسوى خلافاتنا, لكن العرب إذا تخاصمنا يصبح خصامنا أزليا أبديا.
هذا يجعلنا نعود إلى اليمن مرة أخرى إلى الذين يطالبون بالانفصال من منطلق الظلم الذي تعرض له الجنوب.. كيف تشاهد الموقف؟
ترك المرض حتى يتحول من مرض حاد إلى مرض مزمن, فالناس تقول إنه لا يوجد حل إلا الانفصال, مثل نشأة باكستان, فالانفصال يأتي بعد أن تتورط الفصائل في حروب طويلة. وحدة اليمن ضرورية لأنه ليس الخلاف حول الشيعة والسنة, فهو موجود من الأول ولكنه يوظف لمصلحة المجموعة. أنا أضرب لك أمثلة من التدين الشعبى في مصر, فمثلا اسم حسين منتشر جدا في مصر, فالإخوة الشيعة عندما يزورون مصرفيذهبون إلى ضريح الحسين رغم اعتقادهم أنه غير موجود في هذا المكان, فالمزاج كله هو آل البيت, ونحن كسنة نعتز بآل البيت, فعنما أقرأ استشهاد الحسين عليه السلام فأجدنى أبكى, وأرى أنه كان شهيدا شهيدا شهيدا, لأنه استمع إلى كلام أمه وخرج وانتهي الأمر باستشهاده. بعض الكتاب المعاصرين يكتبون في هذا الأمر بصراحة أن هذا الخروج كان خطأ فليكن, لكننا لن نحكم عليه بعد ألف سنة.
عندما بدأت الثورة الفرنسية بدأت بشعار«السلطة تحد السلطة» فكيف ترى ذلك في ظل ثورات الربيع العربى؟
هناك فرق بين المبادىء التي تعكس قيمة والمبادىء التنظيمية, تجربتنا لابد من تستمر وتستمد من المصدرين, فالقيمة التي في الموضوع أن الناس لابد أن تشارك أليس كذلك. إذن فكرة الديمقراطية مرتبطة بقيمة, لكن نأتي بعد ذلك ونقول: كيف ننظمها؟ هذه مسألة تنظيمية العبرة فيها بكفاءة التنظيم,دلت تجارب الشعوب على أن السلطة المطلقة المفسدة مطلقة, وبالتالي لابد من وجود “سلطة تحد السلطة” هذا مبدأ تطبيقي عملي يجب أن يسلكه الجميع. لأنه إذا سلطة استبدت ستظلم, والظلم يجر مسلسل الظلم, المظلوم يتحول إلى ظالم, مثل ما فعلناه بهذا الفيلم, بدأنا بأننا أصحاب دعوة وانتهينا بأننا متهمون, هذه خيبة, فإننا نًظلم ثم نَظلم أنفسنا, لأن نرد الفعل غير معقول, وهناك حالة هياج شعبي ، الجزء الإيجابى فيه نستطيع أن نوظفه, فأننا نقول: إنه خلال عشرين سنة أعطت عدة وقائع الرسوم الدانماركية وهذه المسرحية, المسألة الآن في ظل التعليم تحتاج إلى حل تنظيمي, بمعنى أن تكون هناك اتفاقية دولية بين دول العالم كلها فيها نص على احترام الخصوصيات الدينية, فليس من حقي أن أقوم بتسلية بعض الناس, فأجور على مشاعر مئات الملايين, وهذا أمر سهل جدا, وتكون هناك جزاءات تنص على أن التعرض لشخصية دينية مقدسة عند أصحابها.. وأنا أعتقد أنه سهل وسيحدث لكن يمكن مع تجربة أو أكثر لاحقا.
نصيحة توجهها إلى الرئيس عبد ربه منصور الذي قاد المرحلة الانتقالية خلال هذه الفترة؟
إن الشعب اليمني سيذكر لكم أنكم باشرتم السلطة في زمان صعب وضد قوى عديدة يرى بعضها ولا يرى البعض الآخر, وانت وفقت في ذلك ،وإتمام هذه المهمة أصعب من ابتدائها, وبالتالي يجب أن يكون الأن الشعار المرفوع هو التشاور مع الجميع, لا يوجد شيء اسمه واحد صاحب القضية كلها, لكننا شركاء في هذا الأمر. لذلك سلوكنا يجب أن يتميز بفضل أصحاب الفضل.
نحن لسنا أول ناس عندهم فرق وأحزاب ولكن كيف ندير هذا الخلاف؟ نديره بمنطق نتعاون فيما اتفقنا عليه وهو الأكثرية, وما نختلف عليه نوظف هذا الخلاف, لأن تعدد زوايا الرؤية نستفيد به, بأن نتعلم هذا تعلما, كان يعجبني في كتابات أحد الفلاسفة في التاريخ الإسلامي يقول إيه حتى في الشك: وتعلم العلم بالمشكوك فيه تعلما, فإنه ما من يقين إلا سبقه شك” إذن هذا الاختلاف يوظف توظيفا نافعا للكل, وفكرة التعصب الشديد تزول فمن أدرك وجود أوجه الحقيقة يصعب عليه أن يكون متعصبا. فالواحد منا يكون الرأي وبعد سنة يغير رأيه, وإلا الرشد والتقدم كيف يأتيان؟ فقه الاختلاف مع إنه موجود عندنا, فأنا كنت سأضرب مثالا. فحقوق الإنسان في العالم العربى فهناك حقوق متداخلة مع بعضها البعض, فمثلا حرية الإبداع متداخلة مع حقوق الإنسان في العالم العربي, الإنسان العربي بين شقي الرحى, الكرامة ولقمة العيش, الاثنان معا, فلا تنازل عن أحدهما.
المفاهيم الكبرى التي تتكون منها الثقافة السياسية للمجتمع الديمقراطى هي الشورى والمشاركة السياسية وسيادة القانون والاعتراف بحقوق الأفراد.. فكيف تراها إذا اعتبرناها قيود؟
هي حدود معقولة, لأنه لا توجد حرية مطلقة إلا حرية الاعتقاد لأنها في داخل صاحبها, ليس لأي احد عنده شيء, أما إذا تحول إلى تعبير أو موقف مجتمعى, عملت اجتماعاً, كتبت مقالة, أهنت أحدى الأشخاص أو سببته, كل ما يجاوز الاعتقاد يدخل في دائرة شرعية التتدخل التشريعي, وهذه شرعية غير مطلقة . يظل الأصل هو الحرية, بمعنى أن قليلا من التجاوز يتجاوز عنه, وإلا سوف أخوف الناس, مثلا عندما يقول: لك إن هذا الطريق الحد الأقصى للسرعة 20 كيلومتراً, المشكلة هي أن تتباطأ حتى لا تقع في المحظور, فأنا لو أعرف أن كلامي يسبب ضررا سأضطر أن أكون حذرا, نحن نريد أن نحمي الحريه بأن نجعل الأصل هو الحرية, والاستثناء الذي لا يقاس عليه ولا يتوسع فيه, هو التقييد, فإن أصل كل قيد يميل إلى توسعة نفسه, فرجل الأمن يهمه ألا تمشي في الشارع, ولو عليه يقول لك لا تعبر الرصيف, المصلحة العامة في أن يكون المواطن «مرحرحا» , أي يأخذ راحته في الكلام, من غير أن يأتي الشرطي ويقبض عليه .
أنا سأحكي لك واقعة حدثت لي في لندن,منذ حوالي ثلاثين أو خمسة وثلاثين عاما, وكان اتوني ايدن في الحكم وكنت أنا مطرودا من فرنسا, فذهبت إلى لندن ورأيت موكب إيدن في سيارة مكشوفة, وإذا بشخص يتقدم إليه مخترقا الجماهير على بعد أربعة أو خمسة أمتار من السيارة وقال له إنك «منحط وجبان», الرجل لم يهتز, وقال ممكن أكون منحطاً نعم, لكن جباناً لا, فأنا حاربت من أجل وطني ومن أجل شعبي وأصبت. فأخذ يكشف عن قميصه ليظهر الجرح الذي اصيب به, وإذا بشرطي يمنعه من الحديث معه, فيقول له دعه يكمل معي فأنا لست زعلانا, فالشرطي نظر إلى رئيس الوزراء شزرا وقال له عبارة لا أنساها: ربما تكون أنت رئيس الوزراء هنا, لكننى أنا المسئول عن الأمن هنا, ثم أخذه الي قسم الشرطة ومشى, إذن هناك سيادة قانون, فلو حدث هذا في أي بلد عربي لقال لهم «إنت اتجننت ده معيا ».
ما الذي جعل الأعرابي يقول: لورأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا وأشار إلى سيفه , لأنه توجد سيادة قانون من نوع معين, تحس أن الحاكم خادم عند الناس, وكان جريئا. أبو بكر كان يقول : أين كنتم وأنا أحترف لأولادي, أما الآن فأنا أريد راتبا, هذه الصراحة تشكل الجزء غير المكتوب للعقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم, بعقد اجتماعي سياسي, بأن تطيعونى, ولكننى أتقى الله فيكم, وإذا أخطأت قوموني, لكن لا تصادر عملى قبل أن أقوم به, مثل ما هم يفعلوه مع مرسي كان الله في عونه, فهو لم يكن له تجربة طويلة من قبل, لكنه قيد نفسه بالمائة يوم برغم ان مشاكل مصر يجب ان تدرسها في مائة يوم.
كيف ترى الصورة في اليمن فهناك مجموعة من الأحزاب اتحدت وكونت أحزاب اللقاء المشترك وهي التي قامت بالثورة منهم الحزب ذو الصبغة الإسلامي الرئيسي وهو حزب الإصلاح وهو من عباءة الإخوان؟
القضية الحقيقة هي إصلاح حزب الإصلاح, برؤى أكثر مرونة وفتح المجال لمن كان معك بنسبة 60 % , واختيار شريك له وليس أنا ومن بعدي الطوفان.
علاقة حضرتك باليمن.. هل زرتها من قبل؟
أنا زرت اليمن مرة واحدة منذ 25 سنة في اليمن الشمالى, وكان علي عبدالله صالح ومعه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر, رئيس مجلس النواب, وكان معنا أحد العلماء في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن لا أتذكر اسمه, لأنه كان عندي قضية في المحكمة, كان هناك نزاع بين شركة الخرافي, وكانوا قد اتفقوا على بناء جامعة في اليمن, وحشدوا الأدوات ومواد البناء بميناء الشويخ بالكويت, فجاء الغزو العراقي ونهبت كل هذه الأشياء, ومجلس الإدارة هرب إلى بلد آخر, وأرسل رسالة إلى الحكومة اليمنية أنه أول ما تنفرج الأمور سوف ينفذ المشروع, وعندما انفرجت الأمور قالوا لحكومة اليمن : أن يعوضوهم تعويضا جزئيا عن كل الأشياء التي هلكت, فالحكومة أخذت تماطل معهم بعض الشيء, بعد ذلك قالوا لن ندفع, فلجأوا إلى التحكيم, وأنا كنت عضوا في هذا التحكيم, ونحن في عمان جاءت جلستي مع هذا الفقيه الكبير وسألته, فقال لي إنه أي سؤال فتوى تأتي إليه يرد عليها بالشعر والبيت الأخير أضع فيه عنوان الكتاب, وراح يكتب بخط يده أربع أبيات وأخذتها, وارجع إلى الخامس من مالك, أي من مدونة مالك, فرجعت إلى مدونة مالك فوجدت فيه الجواب واستفدت بالتحكيم, فهذا نوع من العلماء نادر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.