أنا لا أعتبرهم ضحايا فقط، بل هم مشاركون، وبالأحرى يحصدون ما زرعوا طيلة هذه السنين، فهم يرفضون التعليم ودخول المساجد، وينجبون كل تسعة أشهر، ويبحثون عن أبسط عمل ليعيشوا، وهو التسوّل بأطفالهم ونسائهم، والرضا بكل شيء، وأدنى وأقل وأقسى شيء، لكن كل ذلك يرافقه تعامل المجتمع، فالخادمة إذا دخلت المستشفى لا يلتفت أحد إليها حتى الممرضات، والخادمة إذا دخلت المدرسة، منعها أهالي الطالبات ومعلمات المدرسة أنفسهن من الاحتكاك بها، أو حتى الجلوس بجانبها، وأية مشكلة بالمدرسة أو سرقة أو اعتداء أو فوضى فوحدها ستتهم بها، وستطرد بسببها من المدرسة، ولن تنادي باسمها، ستنادى ب “خادمة” فقط، كأنه لا ضرورة لتسميتها أصلاً بأي إسم. الوجع لا يتوقف هنا، وتفاصيل هذه المعضلة لا تتوقف هنا، بل تمتد لتطال أشياءً كثيرة لانفكر فيها، فزعيم المهمشين الذي اغتيل في شهر مارس الماضي، المدعو “بعلي طالب” كان يناضل من أجل هذه القضية، التي لم يستطع أن يحلّها وحده، ويغيّر مجتمعاً برمته، كان يعامله كمجرد مهرج، يستخدم لوقت التسلية وبعدها يُرمى لتجرف به السيول وأمثاله، إلى حيث تريد، لاسيما أنهم يعيشون في محافظة لا تتوقف فيها الأمطار، ولا يصمت عصب السيول وهديرها، لترسم لوحة من لوحات الجمال، تتحوّل إلى مأساة مفجعة، يقف المرء أمامها عاجزاً، بكل ما يحمل العجز من قيود وأسى، لا أعني بكلامي هذا إنني مع ما يمارسون به حياتهم من إهمال وأمية وتخلف، لكني أيضاً لست مع ما يمارسه المجتمع معهم، بداية بقيادته من ظلم واضطهاد وامتهان، يجعل من يحمل فيهم حتى مجرد فكرة للتغيير، يعود أدراج الرياح، ولا يحاول حتى مجرد التفكير في شيء إسمه التغيير. الأكثر غرابة ودهشة ووجعاً من كل ما مر، أن مهمشي محافظة إب، دون سواهم لم ينالوا شيئاً من حقوقهم كآدميين، بل أن مثقفي إب الذين يُسمون أنفسهم “مجازاً” قاموا بفعالية بكائية على “علي الوصابي الخادم” ودعوا المحافظ والوكلاء، وكان من العجيب والغريب شيئين:. إن أعضاء مجاز الذين يحصدون الوظائف والدولارات والعمارات والمنح والأراضي والمناصب، لم يضعوا في أيدي أولئك الأيتام الحفاة العراة ريالاً واحداً وهم يخزّنون بعشرات الألوف، مع أنهم من فعلوا تلك الفعالية. وأن محافظ إب بدلاً من أن يعلن عن بيت لعلي طالب المناضل الإنسان، أعلن عن مدينة باسمه ستبنى في الآخرة بأنامل الملائكة، كيف ستبنى لهم مدينة ومن مات لأجلهم ينام أولاده فوق التراب،؟ ولم يثبت راتب والدهم إلى الآن.؟ وأتت السيول لتجرف ما تبقى، فهل من مجيب، وهل من راحم؟! رابط المقال على الفيس بوك