جامعة صنعاء تثير السخرية بعد إعلانها إستقبال طلاب الجامعات الأمريكية مجانا (وثيقة)    اليوم بدء منافسات المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    اليوم الإجتماع الفني لأندية الدرجة الثالثة لكرة القدم بساحل حضرموت    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انهيار سريع وجديد للريال اليمني أمام العملات الأجنبية (أسعار الصرف الآن)    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    وفي هوازن قوم غير أن بهم**داء اليماني اذا لم يغدروا خانوا    كاس خادم الحرمين الشريفين: النصر يهزم الخليج بثلاثية    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    غارسيا يتحدث عن مستقبله    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الكشف عن قضية الصحفي صالح الحنشي عقب تعرضه للمضايقات    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يحسم معركة الذهاب    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    عن حركة التاريخ وعمر الحضارات    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    بعد شهر من اختطافه.. مليشيا الحوثي تصفي مواطن وترمي جثته للشارع بالحديدة    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    بعشرة لاعبين...الهلال يتأهل إلى نهائى كأس خادم الحرمين بفوز صعب على الاتحاد    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في جذور وأسباب الصراعات السياسية في اليمن خلال الفترة 1962م- 2010م
نشر في الجمهورية يوم 18 - 06 - 2013


السياسة قبل صوت الثقافة
أولاً: توطئة:
الثورات تسبق الثقافات الكبرى
هذا المفهوم : بات متفقاً عليه؛ ذلك أن الثورات ربما تخلقها الضرورة، مع تسليمنا أن الثورة تأتي من ثقافة، لكن ليست الثقافة الكبرى الناضجة !! هذا أولاً: أما ثانياً: إن التفريق بين السياسة والثقافة تفريق صنعه الاستبداد والطغيان والعقليات القاصرة ثقافياً، على أننا هنا لا ندّعي أننا سنحسم الحكم في هذا الصدد هكذا بجرة قلم، لا؛ لأن الأمر فيه صعوبة، وإنما مازال القصور الثقافي ضارباً أطنابه في أغوار العقلية العربية – أكثرها - ثم لأن السياسي مازال هو المسيطر...ولذلك: عملنا هنا هو محاولة فتح نافذة على جذور وأسباب الصراعات السياسية في اليمن ، خلال الفترة 1962م - 2010م، وأقصد بالصراع، بين التيارات والأيديولوجيات بل وداخل التيار الواحد، وكذا بين المعارضة والسلطة، مع تسامح في التعبير بكلمة معارضة وبين أجنحة الحكم في الحزب الواحد، وبين السلطة والمجتمع، وبين حكومتي الشطرين قبل الوحدة! وحتى نكون أقرب إلى الموضوعية، لابد أن نطرح التساؤلات التالية: ما هي جذور الصراع؟ وما هي أسبابه؟ هل البحث في هذا المجال نبش للماضي – إثارة أحقاد - هل تلوم على الأشخاص؟ أم طبيعة المرحلة؟ لا شك أن الموضوعية تدعونا أن نتحدث حول مكامن الخلل فقط، والهدف هو عدم تكرار الخطأ...يكفي صراع خمسة عقود...وشيء آخر لابد من التطرق إليه وهو: عندما نحاول القراءة الاستكشافية في قضية كهذه، فإن هذا يقتضي منا النظر في المدخلات الفكرية.. والثقافية التي سبقت قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر – أقصد الطريقة الثقافية التي نشأت عليها النخبة يومها، وبالتالي قادت إلى الثورة الشعبية، ولا يختلف اثنان إلا في بعض التفاصيل بأن النخبة العربية التي ثارت ضد الاحتلال الأجنبي والمستبد المحلي: لم تدخل إلى السياسة من باب الثقافة «الثقافة الكبرى الناضجة»، وإنما حصل لديها العكس، فلقد دخلت إلى الثقافة من باب السياسة، ومن هنا بدأ الانحراف مبكراً، وهو ما نسميه (الجذور) ذلك أنه من المعلوم أن الثقافة صوت والسياسة صدى، وهذا يعني عدم التفريق بين السياسة والثقافة، إلا من باب تقديم الثقافة؛ كونها الأصل والسياسة هي بمثابة الثمرة! ومن هنا نعود إلى التساؤلات حول الصراعات السياسية في اليمن: هل المشكلة ثقافية أولاً وأخيراً؟ أم هناك عوامل أخرى؟ ما دور البعد الخارجي؟ وكم نسبة تأثيره؟ هل هذا الصراع مقتصر على اليمن أم أن العالم كله قد اكتوى بهذه النار التي لم يُخمد لها [أوار] منذ بدء الخليقة؟.
بعيداً عن الإغراق في الماضي نقتصر على الحربين الأوروبيتين مع الشرق الأسيوي وأمريكا – وهما الحربان العالميتان – كما يسميها الأوروبيون عن قصد الهدف من: أنهم هم العالم فقط دون غيرهم، الخلاصة الأهم: أن الغرب عموماً استفاد من هاتين الحربين وما سبقهما، فقد أنشأ مراكز بحوث طيلة ثلاثين عاماً لمعرفة عوامل النصر والهزيمة على كافة المجالات؛ ذلك أن السلاح لم يكن سوى عامل واحد، مع أن دوره أكبر لكنهم وضعوا لكل عامل نسبة تأثيره في النصر والهزيمة، وها هو الغرب الأوروأمريكي يتقارب ويحل مشاكله بالحوار بعد حروب بلغت حد تقدير بعض المؤرخين (3200) خلال ألفي سنة !!.
بعض المثقفين العرب – مثقفون كبار ومعاصرون - حاولوا الاستفادة من موقف الغرب بعد الحربين فقالوا : الوضع العربي لن تقوم ثقافته الواعية الناضجة، ثقافة البناء إلا بأحد طريقين، الأول : مدخلات ثقافية جادة وصحيحة طيلة ثمانين عاماً، ومن هنا سيظهر جيل البناء. الطريق الثاني في حرب أهلية تقضي على 50 % من الموجودين الطيب والفاسد، تستمر عشر سنوات، وهنا: قطعاً سيفيق الباقون وسيتساءلون ثم سيجتمعون على طاولة الحوار، وبالتالي سينظرون إلى المستقبل بعقلية واعية!.
فيلسوف مسلم أوروبي
الفيلسوف المسلم الألماني (مراد هوفمان) جاء بنظرية أخرى سهلة ومتفائلة جداً إلى حد المبالغة، قائلاً أمام العرب شيء واحد هو أن يرّبوا أبناءهم الذين ولدوا اليوم على الحرية وبعد (24) عاماً سيكونون هم الماسكون زمام الدولة والحكومة والإدارة..إلخ.
قلت : هو رأي رائع، وهو بمثابة الدرجة الأولى في السُّلم؛ ذلك أنه مهما بلغت قدرات هذا الجيل، فلا تنسى تداخل الأجيال، فالجيل التقليدي لن ينقرض خلال أيام تاركاً المجال لجيل الحرية...إنه قول يصطدم مع قواعد الاجتماع البشري، ناهيك عن جانب السياسة...إلخ .
الخلاصة:
إن الأمم تستيقظ بأحد أمرين:
1 - مدخلات ثقافية مرتكزها إنسانية الإنسان – حريته وكرامته وسائر حقوقه أولاً وأخيراً ..لكن هذا طريق بطيئ، مع التسليم بأنها أكيدة المفعول، سواء ذهبنا إلى القول بفترة 80 عاماً أو فترة (25) عاماً.
2 - الأمر الثاني الحرب الأهلية الشاملة..وهذه طريقتها أسرع إلى إيقاظ العقول، والتي ستصل إلى الحوار ورفض العنف أياً كان، وكل شيء ممكن حله بمنطق العقل – القواسم المشتركة - .
ثانياً: الصراعات السياسية في اليمن
جذورها، أسبابها، الحلول المقترحة
عقود خمسة مرت بها اليمن، والصراعات السياسية في مختلف الجوانب – عنف دموي – وقد صدق المثقف العربي أن الحروب والصراعات حتماً تصل بالمتحاربين في النهاية إلى طاولة الحوار.
وها هم أبناء اليمن بعد ثورة شعبية سلمية يجتمعون تحت قبة واحدة – مؤتمر الحوار الوطني الشامل – والذي سيشمل محاور مختلفة ، منها – موضوع حديثنا – الصراعات السياسية في اليمن.
ثالثاً: جذور الصراع
لا شك أن الهدف من مراجعة أخطاء الماضي بات واضحاً وهو بناء مستقبل الوطن دون الوقوع في تكرار الخطأ، ثم إنه يجب علينا أن ننظر إلى فرقاء الصراع بغض النظر عن الأيديولوجيات فقد كان دافع الجميع هو إصلاح حال الوطن، وانطلاقاً من هذين المبدأين يمكننا إجمال جذور الصراع على النحو التالي:
الجذر الأول: قصور ثقافي
قصور ثقافي ناجم عن قهر وهدر إنسانية الإنسان اليمني، قهر وهدر، مارسهما المحتل والمستبد ضد الشعب، طيلة عقود خرج بعدها شعب اليمن ثائراً ضد الاحتلال الأجنبي والاستبداد المحلي، ثورة مندفعة لا تلوي على شيء، وعند الاقتراب من الحالة النفسية الثائرة – على مستوى النخبة، سنجد أن لسان حال النخبة ثقافياً وفكرياً وعملياً – يقول: كيف نهرب؟ وإلى أين نهرب؟ صحيح أنه كانت هنالك أهداف متفق عليها، لكن ظل السؤال كيف ستكون الجمهورية؟ أو كيف هويتها؟ فالثوار التقليديون لهم تصوراتهم، والثوار – الضباط الأحرار ، قوميون شيوعيون - لهم تصوراتهم، والثوار التقليديون أبناء القبائل في الشمال وجبهة التحرير في الجنوب كانت لديهم نظرة معتدلة لما بعد الثورة يغلب عليها التسامح بين أبناء الوطن الواحد، بخلاف الضباط الأحرار – ذوي الأيديولوجيات، متطرفون، وهذا التطرف له عوامله، من أهمها: تخندق الملكيين من أول لحظات الثورة في الشمال، حيث رفضوا الاستسلام وقاتلوا فكان موقف الضباط الأحرار أكثر تطرفاً إلى حد تجاوزات – انتهاكات غير مبررة – بالمقابل كان الثوار القبائل يريدون حصر المواجهة ضد الملكيين الذين قاتلوا، ولا تمتد إلى أقاربهم ، غير أن الشعب خرج في الأرياف والمدن، يطارد العمال – مدراء النواحي – ويقبض عليهم ويسوقهم إلى العاصمة صنعاء. الغريب أن إبراهيم الحمدي كان قاضياً مساعداً لأبيه في ذمار، وفر قبل أن يصل إليه أبناء ذمار، لكنهم لاحقوه فالتجأ إلى الضابط حسن العمري فحماه.
الخلاصة: إن الأهداف متفق عليها، لكن الوصول إليها ضبابية؛ فيما يدل على أن الحالة الثقافية والفكرية والنفسية لدى النخبة: يصدق عليها كيف نهرب؟ وليس إلى أين نهرب؟ الثمرة هي الجذر الثاني.
الجذر الثاني: عقلية إقصائية
هذا الجذر الثاني سيظل المبدأ المستمر طوال فترة الصراعات السياسية في اليمن، وأي مبدأ؟ إنه مبدأ استخدام القوة؛ ذلك أن القصور الثقافي يصاحبه حماس، هذا الحماس الطاغي لدى الشباب والكبار الذين طالتهم عملية القهر والهدر وتوارثها الأبناء.
باختصار: إنهم يريدون القفز السريع فوق كل الآلام والحل السحري هو السلاح – هذا الحل – السحري سيرتد بعد أيام قلائل بين الثوار، وكل فريق يريد الحل السحري مع رفيق المبدأ أو مع عدو المبدأ؟ وإذن : هذا الجذر ظل متمثلاً في استخدام القوة - غياب منطق العقل الذي خسرته الأطراف كلها.
الجذر الثالث: تطرف أيديولوجي
إنه الوجه الثاني للعقلية الإقصائية التي تُمنح – ترضع ثقافتها من [القصور الثقافي] فالقاصر ثقافياً هو إقصائي بامتياز؛ لأنه يدّعي امتلاك الحقيقة، فإذا ما أضفنا العامل الظرفي – لا صوت يعلو على صوت المعركة – الصراع المسلح مع خصوم الثورة...هذا الشعار كان أقرب إلى الإرهاب، سواء في اليمن أو في مصر أو بقية الوطن العربي – الأقاليم التي جُمهرت، هذا التطرف وصل إلى داخل التيار الواحد كما هو حال الجبهة القومية، انقسمت ضد بعضها – قحطان الشعبي وكما حصل في نهاية سالم ربيع – داخل الحزب الاشتراكي ومع فُتاح من رفاق المبدأ، وكما فعل عبدالناصر – القومي – ضد القومية البعثية، وكما حصل بين الثوار (الحركيين– القوميين) والثوار القبائل، فهناك مناطق شمال الشمال – أرحب مثلاً ثائرة ضد الملكيين، لكنها بعد عام تحولت ملكية لاعتبارات في مقدمتها تطرف الثوار من القوميين.
وشيء آخر فالإسلاميون مع القبائل لا يتفقون حول شكل نظام الحكم؛ فالزيدية مثلاً بعضهم يجتر عقلية الإمام بن الوزير إمام الدولة الدستورية لعام 1948م هذا الإمام كان ذا عقلية متطرفة، يرفض لبس الساعة والنظارة والبنطال وركوب الدراجة؟! تُرى ماذا عن دولة المؤسسات وتقنين الشريعة؟ بل إن كلمة حزب إلى الأمس القريب بعد قيام الوحدة، وإلى اليوم لدى بعض التيارات الإسلامية ظلت أنها محل ذم، وإذا كانت رؤية الثائر الأستاذ النعمان أنه لا داعي للثورة وإنما يجب إصلاح الوضع من خلال بقاء البدر ملكاً.. ربما كانت هذه الرؤية مبنية على رفض العنف المسلح الثورة والثورة المضادة من الملكيين.
هذا الرأي النعماني كان يقابله حماس منقطع النظير من الأطراف الأخرى، والتي كانت تملك قاسماً مشتركاً هو طرد المستبد، لكن ماذا بعد – إلى أين نهرب؟ لا جواب.
الجذر الرابع: البُعد الخارجي
لقد كانت القوات المصرية مهيمنة على كل الجزئيات حتى الطبيب حق السلال كان مصرياً تابعاً للمخابرات، وكانت تقاريره أسوأ وتأثيره أشد سوءًا على السلال.
بعد قيام ثورة 26سبتمبر تقدم عدد من الأحزاب إلى الرئيس السلال؛ طالبين الموافقة الرسمية على إنشاء أحزاب سياسية، فوافق السلال.. وكانت الثمرة الرائعة: انطلاقة شباب الأحزاب كالصقور مدافعين عن الثورة – كيف لا – وها هم قد وجدوا الذات؟ لقد ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء حسب شهادة معاصرين، غير أن البُعد الخارجي كان له حضور قوي في محور الملكيين إنها السعودية؛ ونظراً لشحة الإمكانات المادية لدى حكومة الثورة، استدعت الجيش المصري، فجاء الدعم المصري مشروطاً بإلغاء التعددية السياسية؟ إنها فكرة إسقاطية من حال مصر إلى اليمن..وهذا أدى إلى انقسام...فالقوى التقليدية أيدته وفي نفس الوقت هي ضد الوجود المصري، والقوميون رافضون لهذا القمع، وهم مع وجود المصريين للدفاع عن الثورة كي يحولوا بين القوى القبلية ودفاعها عن الثورة والتي كانت أعظم رافد للثورة.
وفي الوقت ذاته كان هناك قوميون ضد الوجود المصري وضد التعددية؟! لقد كان الهادي عيسى واحدا ً من هؤلاء وقد قتله المصريون، والعمري وهو المخضرم قومياً وقبلياً، ومواقفه مع الثورة لا تُنسى، لكنه مع الكرشمي كانا يمارسان بل ويكرسان الدعوة الطائفية، وحسب كتاب العسقبلية: إن الكرشمي ذات مرة قال سيعترف بتعز إذا كانت موجودة في كتاب الأزهار؟!.
أعتذر إزاء هذا الاستطراد الذي اقتضاه المقام للتدليل على العقلية الإقصائية وكيف انسحبت إلى الشرائح والتيارات إلى حد التخندق، ورفع سلاح الطائفية، وكفى بهذا خطورة؟.
الجذر الخامس: الدستور
الدستور الأول صدر بعد الثورة بشهر تقريباً ، ونص على تجريم الحزبية - جريمة دستورية – هذا التجريم تجسد على أرض الواقع مطاردات وإقصاء وسجن، هنا تكاثرت الأعداد النافرة من الثورة وهم ثوار واجتمعوا مع القبائل النافرة والملكيين، وسيصل الأمر بهؤلاء إلى انقلاب 5 نوفمبر 1968م الإطاحة بالجمهورية الأولى – الرئيس السلال – وستكون الجمهورية الثانية برئاسة الإرياني معظم أنصارها ممن تم إقصاؤهم في عهد السلال، علماً بأن الذي نفذ هذا الانقلاب هم خليط من القبائل والشيوعيين والبعثيين! فكيف التقوا؟! إنه الانتقام – الإقصاء للناصريين علماً بأن الحاكم الجديد مدني وليس عسكرياً، وكان الدستور في هذه الفترة أيضاً يجرم التعددية.
الجذر السادس: الصراع على مواطن القوة والنفوذ
السلطة، الإعلام، الجيش، المال، هذه أصبحت هدفاً لأطراف الصراع – هدفاً وغاية، كي ينفذوا من خلالها أيديولوجياتهم + إقصاء الآخر، وهذا تسبب في الانقلابات العسكرية – الدموية، والانقلابات البيضاء، وهذا هو السر وراء ثمانية انقلابات في اليمن بشطريه قبل الوحدة، الأشد محنة أن الانقلاب يكون داخل التيار الواحد، وعلى كل الحال فالمحنة تُلقي بظلالها على الشعب بغض النظر عن مصدر الانقلابات أو نوعها.
الجذر السابع: غياب اهتمام الدولة بالجانب الثقافي السليم
هذا الجذر هو وليد طبيعي – أو قل هو الوجه الثاني لعقلية الإقصاء – باختصار نحن أمام شكل سداسي الرسم وغياب رسم منهج ثقافي أحد وجوه هذا الرسم، نعم عرفنا ثقافة التعبوية، وفاقد الشيء لا يعطيه، وإذا كان التطور السنني أنه يمضي بالحياة نحو الأحسن، فالذي حصل من الانقلابات هو العكس ففي الجمهورية الثالثة في شمال اليمن تم إقصاء مجلس الشورى، بغض النظر عن دوره وهامشيته، وبعد خروج فتاح من المشهد السياسي (1980م) ألغي منصب رئيس الوزراء لصالح أمين عام الحزب، فهو رئيس الدولة والحزب والمكتب السياسي ومجلس الشعب ورئيس الوزراء، وبعد أحداث يناير حصل تحلل ديكتاري من شخصية واحدة إلى ثلاث شخصيات من التيار نفسه، فهل د.ياسين كان على صواب عندما كتب روايته (أصل الحكاية)؟ يبدو أن الشاعر الشعبي [جعبار] وضح ذلك عندما قال بلسان حال المرأة التي لاقاها تحمل الغداء للعمال في مقطع الحجار (...هم يذهبوا جمعة – سواء ويقلبوا القوز...ويرجعوا كره – كلهم - ، ويشربوا الكوز، أيضاً وواحد منهم معنوز ، يفحتت الكبة يخزن بها خِزان) والكبة هي القطعة التُتن.
فالوطن مختزل في حزب، والحزب مختزل في اللجنة المركزية وهذه مختزلة في المكتب السياسي، وهذا الأخير مختزل في شخص واحد، إذا حصل تجديد فهو تدوير إطارات أقدام إلى الوراء والعكس، وهكذا كان في الشطرين، عند الحركيين والتقليديين وفي كل حركة تصحيح كانت الوجوه هي هي في الغالب، وفي أحسن الأحوال يعود الذين تم إقصاؤهم فينتقموا.
ثالثاً: الأسباب
عند التأمل سنجد أن الأسباب تتداخل مع الجذور، والفارق هنا هو كالفارق بين النظري والعملي، ومن خلال انتقال مراحل الصراع – سنجد أن السباق على مراكز النفوذ أصبح جذراً نظرياً وسلوكاً عملياً بمعنى أصبح سبباً مباشراً، البعد الخارجي ظل حاضراً فهو جذر، وسبب في آن؛ كونه يحرك ما في النفوس ويدق الأسفين.
السبب الأول:
تجاوزات مرعبة: قتل دون محاكمات [قتل جماعي وقد حاول السلال تبريره دون فائدة].
العنف كان الوسيلة العملية للعقيلة الإقصائية، نعم: إذا اجتمع قصور فكري وثقافي وعقلية إقصائية، ومركز نفوذ وتطرف أيدلوجي + طبيعة الأحداث المتداخلة، داخلياً وخارجياً، ولا يوجد عقلية مثقفة ناضجة متأنية متوسطة + سن شبابي مثالي – طائش – وامتلاك وسائل القوة، فالنتيجة صراع دموي..وهنا نتذكر طرفة قالها شخص أسود البشرة، هجم عليه الليل وكان ماشياً على جبل أسود، وجاء المطر، وكان هناك سبع يحلق عليه، والرجل نظره إلى الأعلى أشول فصرخ (واااراااب) أنا أسود، وليل أسود، مطر وطاهش، وصفاء أسود ونظري إلى الأعلى كيفه وآآآرآآآب؟ والانتهازيون كانوا ينظمون إلى طرف الثورة فيفرغوا مخزون حقدهم على خصوم شخصيين ولكن باسم الثورة كما حصل في مقتل بن عاطف المصلي، بل يصل التجاوز ذروته عندما يقتل عبدالله عبدالكريم – نائب الإمام أحمد -وهو داعم للثورة وقد ذكر بعض الكتاب شهادة لله: أن عبدالله عبد الكريم كان آية في الطُهر والنزاهة والاستقامة وأنه مع الثورة، ولكن حماس الضباط رفع شعار [أخي المهاجر زمان الذل قد ولى... لا يحكم الشعب بعد اليوم من صلى؟ عجبا ً أليس ثوار (48) و(55) هم المصلون؟ لقد حصل قتل بلا تهمة ولا محاكمة وزُجّ الآلاف في السجن في ليلة واحدة.. تولد عنه].
السبب الثاني: خدش ضمير المجتمع في عقيدته وهويته
إذن: صراع أيديولوجي، وبدلاً من تنزيل فكرة القومية المصرية على واقعنا المختلف.. فقد تم إسقاط فكرة القومية إسقاطاً حرفياً، وشتّان بين التنزيل والإسقاط؛ لأن إسقاط النظريات دون مراعاة الظرف زمانا ً ومكانا ً له تبعات عظيمة وخسائر كبيرة وسيعود بنا هذا السبب إلى جذره الأول – القصور الثقافي؟! ما يؤسف له أن هذا كله يحصل باسم الديمقراطية، وهذا يذكرنا بالنكتة التالية: أحدهم كانت زوجته تكرهه، وكانت عندما ينتصف الليل تقول له: سأطلع سطح المنزل أجلس مع قوم نوح، واستمرت هكذا طويلاً وفي إحدى الليالي رفض صعودها وصعد هو ليحظى بمقابلة قوم نوح، فما إن وصل السطح فابتدره القوم وبطحوه و..و..وكان يصيح أنتم قوم نوح أم قوم لوط؟! هكذا الديمقراطية العربية..مسخ غريب.
السبب الثالث
ثم عُقد مؤتمران الأول: في عمران عام (1963م ) لمواجهة الأسباب السابقة، والثاني: في عام (1965م) في خمر بعد مقتل الزبيري رحمه الله، وبالمقابل انعقد مؤتمر في الجند في تعز، وهنا تم اتخاذ القرار الحاسم عملياً في منع الحزبية؛ لأن هذه المؤتمرات هي طائفية بامتياز مغلفة بأغلفة حزبية ثورية، وقد تجلى هذا في أحداث أغسطس بين الجيش عام (1986م)، ألم يفاجأ الشعب بالعمري وهو يفتح بنك الإنشاء والتعمير – المبنى – ولوح بإسقاط الجنسية اليمنية عن الأستاذ النعمان؟.
السبب الرابع: قيام الجمهورية الثانية
هذه الجمهورية برئاسة القاضي الإرياني ، مجلس جمهوري ومجلس شورى بالتعيين وأغلبية المقاعد وأقواها للمشيخ، والمجلس الجمهوري كذلك فيه مشيخ.. كما أن شعار هذه الجمهورية (مشاركة الجميع) وهنا سيكون للوافدين من الجنوب دور في صناعة القرار في الشمال مع الشيوعيين والبعثيين، وإذن فالقومية الناصرية وجدت نفسها مستهدفة، وكان لها حضور في وسط الجيش، يقابلها جيش شعبي قبلي بقيادة بطل من أبطال الثورة (علي سيف الخولاني) هل نحن أمام انقسام طائفي مغلف بغلاف حزبي؟ عنف دموي داخل الجيش.
السبب الخامس: قحطان الشعبي يستعين
كانت القومية في الجنوب منقسمة بين رؤية معتدلة – قحطان الشعبي إلى حد ما، والفريق القومي المتزمت المتربص بقحطان الشعبي وكان الفريق المتزمت (الراديكالي): يملك قاعدة قوية، فأراد قحطان الشعبي الاستعانة بالقومية الشمالية في الجيش، فتعاونت معه بالسلاح، وكان هدفه صرف نظر خصومه نحو الخارج، حكومة الشمال أدانت دعم الجيش لقحطان فانفجرت الحرب الدامية بين الجيش اليمني في أغسطس (1968م).وهنا تم الإقصاء للكثيرين من قيادات الجيش بالنفي والتهميش والمضايقة..الخ، وكان لأبناء الجنوب الهاربين من صنعاء دورهم ضد قحطان وضد الجيش الشمالي، فهم مع الجمهورية والنظام، استغلت دول المنطقة هذه التناقضات، وهنا سقط قحطان الشعبي بعاصفة جماهيرية اقتحمت الإذاعة وغيرها، وكان مصيره مع رئيس حكومته (فيصل عبداللطيف الشعبي) السجن، غير أن الأخير مازال مفقوداً حتى اللحظة.
السبب السادس: عودة الملكية إلى صنعاء
هذه المصالحة عام (1970م) قام بها رئيس الجمهورية الإرياني تفادياً للمزيد من ثقافة العنف الدموي وعدم الاستقرار وخلُصَ الصلح إلى عودة كل من حارب في صفوف الملكيين ولهم حق المشاركة في الحكم كمواطنين ماعدا بيت (حميد الدين) هذه العودة بدورها فجرت أول حرب بين حكومتي اليمن فترة سالم رُبيع علي والإرياني (1972م)، وكما أشرنا أنه حصل تهميش للجيش القومي بعد صعود الإرياني، وعودة أنصار الملكية والدعم القومي من جيش الشمال لقحطان الشعبي، وأحداث أغسطس (1968م) بين الجيش أدى إلى مزيد من التهميش للجيش القومي في الشمال: هذا التهميش أثمر عن:
السبب السابع: ظهور المقاومة الشعبية
هذه المقاومة الشعبية أبطالها هم مهمشو الجيش – قوميون وشيوعيون – وهنا تحول الدعم من الجنوب إلى الشمال للمقاومة الشعبية ضد نظام الشمال؛ لأن صعود سالم رُبيع علي رافقه تطور في المصطلح السياسي (جمهورية اليمن الديمقراطية ) فالديمقراطية كتوصيف للنظام الجمهوري في الجنوب أحدثت إرباكاً للنظام الجمهوري في الشمال؛ ذلك إذا كانت الجمهورية في الجنوب ديمقراطية فما هي جمهورية الشمال؟ إذن فلابد من مواجهة الفكرة الجنوبية، ولو لم يكن الإرياني هنا موافقاً فإن البرلمان - مجلس الشعب المعني - معظمه وآلياته الفاعلة هم مشائخ، فالنتيجة مواجهة مع حكومة الجنوب الديمقراطية! وحد توصيف صاحب كتاب الصراع على السلطة في جنوب شبه الجزيرة؛ إذ قال: كان المشائخ يأخذون المال ومن ناصروا الملكيين في آن. فالحال انقطع الإمداد من الطرفين، وإذن فلا حل أمامهم سوى خلق العدو في الجنوب لاستدرار الأموال من السعودية والخليج...فهل نسمي ذلك صراع مصالح أم أيديولوجيات، أم طائفية، أم شرق وغرب؟ الكل وارد، لكن المرتكز الأول: القصور الثقافي في العقلية الإقصائية، وأسوأ أنواع الإقصاء الذي يكون بعصا السلطة؛ فهي هنا تخلق الخصوم داخلياً وخارجياً في الوقت الذي يقول الهدف الجمهوري قيام حكم ديمقراطي، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي...والحقيقة أن القاضي الإرياني كان أقرب إلى أهداف الجمهورية.
السبب الثامن: مشائخ تعز في مرمى المقاومة الشعبية
نظرا ً للنفوذ القبلي المتوضع في مفاصل القرار في نظام الشمال، فإن نظام الجنوب دعم مشائخ تعز غير المشاركين في حكومة الشمال، وهذا موقف جدير بالقراءة؛ إذ كيف لنظام ماركسي ضد الطبقية بدعم الطبقية، وكذا الناصرية قامت على أكتاف مشائخ في تعز والبعثية، ناهيك من الإسلاميين، ألسنا أمام تركيبة يمنية مختلفة؟.
الخلاصة: في مطلع السبعينيات سقط عدد من مشائخ تعز قتلى بيد المقاومة الشعبية – الماركسية المدعومة من الجنوب، وفي مقدمة هؤلاء الشيخ محمد علي عثمان عضو المجلس الجمهوري ومحافظ تعز وشيخ مشائخ تعز، ولم يتوقف مسلسل قتل المشيخ إلا بعد قيام الجمهورية الثالثة وهي رئاسة الحمدي .
عودة إلى «حكم العسكر»
طموح الحمدي وذكاؤه: الضابط إبراهيم الحمدي بعد حرب حكومتي الشطرين تقدم إلى الرئيس الإرياني بمقترح الإصلاح المالي داخل القوات المسلحة؛ لأن التواجد اليساري في الجيش مازال مقلقاً لنظام ودولة صنعاء، توصل الحمدي بذكاء متميز إلى درجة نائب رئيس وزراء ليتمكن من إنقاذ القرارات، ثم وصل إلى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فعزز علاقاته بالضباط والقيادات حتى 13/ يونيو/1947م أعلنت ثورة بيضاء، ولكن....كيف؟ لقد قدم الإرياني ورؤوس القبائل في مجلس الشعب والمجلس الجمهوري استقالتهم إلى القوات المسلحة؟ ويصبح العقيد الحمدي رئيساً لمجلس القيادة المكونة من أهم قيادات الجيش، وبعد أيام عمل الحمدي على إقصاء شخصيتين من مجلس القيادة – أبو لحوم، ومجاهد أبو شوارب – وبقي في مجلس القيادة: عبدالله عبدالعالم والغشمي؟ هل كان هذا إقصاء لمراكز النفوذ الاجتماعي؟ وفي عام (1975م) ألغى مجلس الشورى أو الشعب فهل الحمدي ألغى أو أقصى الجميع؟ لقد ذهب الحمدي في حادثة دموية مفزعة، وهنا ستدخل اليمن مسلسل القتل لثلاثة رؤساء في الشطرين خلال ثمانية أشهر.
السبب التاسع: موقف السلطات في الشطرين
تزامن صعود فتّاح إلى سُدة الحكم وبعده بأقل من شهر ونصف صعد صالح إلى كرسي الشطر الشمالي، ويدخل الشطران في حرب حدودية، كما قام فتاح بدعم قوى لتيار الجبهة الوطنية في الشمال. وهنا استعان صالح بالخليج والإسلاميين والناصريين، بل وبعث صدام حسين ضد الجبهة الوطنية، وكان بعث صدام دوره معلوماتي إن جاز التعبير... الخلاصة تراكمت الأحقاد وسيكون الشطر الشمالي حلبة صراع.
الانقلاب الناصري ضد صالح
في عام (1979م) حاول التنظيم الوحدوي الناصري الانقلاب ضد صالح وكما قيل إنه كان انقلاباً أبيض، لكن صالح اكتشف المخطط فانقّض على قيادة الانقلاب وإلى اليوم، لا ندري أين هي تلك القيادة، حوكم بعضها محاكمة عسكرية، والبقية أين هي؟
مشائخ تعز في مذبحة جديدة
بعد صعود الغشمي: عاد مجلس الشعب الذي أقصاه الحمدي، وتمت مضايقة أركان نظام الحمدي منهم عبدالله عبدالعالم - عضو مجلس القيادة في عهد الحمدي - ولازال في عهد الغشمي قائداً للمظلات فأحسّ بالمضايقة فسحب قواته من صنعاء إلى تعز – تربة ذبحان- وتوجه مشائخ تعز لمراجعته، فكانت مجزرة سقط فيها أغلب مشيخة تعز، بغض النظر عمن هو المباشر، هل هو قائد المظلات أم غيره أم جهة ثالثة...الخلاصة: إن العنف والإقصاء والقوة الدموية هي المبدأ المسيطر.
صالح وحرب الجبهة
أشرنا آنفاً إلى أن صالح وظف المشيخ والناصريين والإسلاميين والبعث ضد تيار الجبهة، وانتهى المقام بعد غياب فتاح عن مسرح الحكم، ويتفق صالح وعلي ناصر على وقف دعم الجبهة من سلطة الجنوب وصولاً إلى حوار وطني وقيام الميثاق الوطني عام (1983م).
ما بعد فتاح أشد مركزية
قبض علي ناصر محمد على جميع خيوط الأجهزة، فتذمر أنصاره وبدأ التململ داخل الحزب، والنتيجة أحداث 13يناير عام 1986م بين رفاق الأمس فخرج علي ناصر إلى صنعاء، واستمرت التصفيات!! وما أشد مرارة سخرية راديو « ال BBC لندن»؛ إذ علق يومها قائلاً: القبائل الماركسية تتقاتل في جنوب اليمن! انظروا النقائض– قبائل.. ماركسية !!.
تشطير عاصمة الوحدة
بعد قيام الوحدة : بدأت التصفيات بتوظيف أكثر دهاءً ومكراً، حيث تم توظيف نازحي 13يناير المقيمين في صنعاء ومعهم أبناء مشائخ تعز الذين سقطوا على يد المقاومة في مطلع عقد السبعينيات، وعناصر الاشتراكي لاقت تصفيات تحت مسمى ثأرات!! هكذا تم التوظيف وأصبحت صنعاء عاصمة دولة الوحدة عاصمة مشطورة وصولا ً إلى اقتتال معسكرين في عمران، أحدهما تابع للفرقة الأولى مدرع، والثاني تابع للحزب الاشتراكي...المحطة النهائية حرب (1994م) هذه الحرب خسر فيها الوطن عموماً خيرة أبنائه ومقدراته بل خسر سلامة القلوب بعد الحرب؛ ذلك أنه لم يتم عقبها أي ترميم بل حصل العكس إلى حد إلغاء معالم ثقافية وتاريخية ونضالية! هذا الإلغاء كان توظيفاً من أيادي لا ترى سوى ذاتها فقط.
هل نحن بحاجة إلى استعراض التصفيات الشخصية، وكذا الحروب القبلية التي تغذيها السلطة، والتي بلغت حسب مركز البحوث اليمني (483) حرباً صغيرة خلال (33) عاماً تم تغذيتها من خزينة الجيش؟! ووصل الوضع إلى حرب صعدة (2004 - 2010م) ستة حروب تشنها السلطة ضد الحوثية، وكانت تتوقف الحرب وتعود بطريقة لا يعلمها إلا الله والراسخون في المغالطة، فقط الحرب الخامسة سمع الشعب فجأة أنها توقفت باتصال هاتفي.؟! شخصياً بين رأس النظام السابق وعبدالملك الحوثي لتعود بعد شهور، خسر فيها شعبنا الآلاف من أبنائه – مواطنون، وجيش – ناهيك عن مقدرات وممتلكات و..و..الخ الشيء المذهل أننا في عصر وسائل الاتصال – الأرقى والمتنوعة، لم نستطع حتى اللحظة معرفة أسباب نشوء هذه الحرب، فقط سمع الشعب رأس النظام يومها وهو يقول بأنه كان يدعم حلقات الشباب المؤمن بمبلغ وقدره...والسؤال هذا الدعم: ما هي جهته؟ ولصالح من؟ باختصار السلطات كان لها اليد الطولى في إذكاء الصراعات الطائفية داخل الشطر الواحد، أو بين الشطرين...وكمثال سريع يحضرني هنا : عبدالرحمن البيضاني صاحب الدعوة الطائفية وتم سحب الجنسية اليمنية إبان فترة – السلال – ها هو يتحول محاضراً للطلاب اليمنيين في القاهرة في فترة الإرياني وكانت التعبئة ضد نظام الجنوب!.
الخاتمة
أظن أنني اقتربت من مكامن الخطأ وجذور الخلل التي رافقت مسيرة خمسين عاماً تقريبا،ً ولا أدعي أني كشفت سراً، حسبي أني أثرت الموضوع بعيداً عن إدانة جهة بعينها أو شخص معين وإنما حسب المعطيات حاولت إسناد الحدث إلى فترة زمنية، وفقاً للتسلسل الزمني وشفيعي أنني في مستهل هذه الإطلالة، قد أنصفت الجميع بأن دافعهم كان إصلاح الوطن والنهوض به، كما أني اعتذرت للجميع بطبيعة المرحلة، سواء في الجانب الثقافي أو في جانب العنف الذي رافق ثورة (26) سبتمبر من ساعاتها الأولى.
رابعاً: الحلول المقترحة
1 - تطبيق المصالحة الوطنية فيما يخص الفترة :1962 -2010م .
2 - تطبيق قانون العدالة الانتقالية فيما يخص الفترة 2011م حتى تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات 2014م، وإذا كان رأس النظام السابق قد لوّح بقائمة (500) شخص يريد حمايتهم من يد العدالة، فلا مانع، بشرط عزلهم سياسياً.
3 - جبر الضرر والمقصود هنا : السرعة، العدل في التعويض، رد الحقوق المنهوبة .
4 - فتح باب المقاضاة أمام المظلومين لمن يشأ منهم.
5 - وضع دستور يقوم على المشروعية العليا – المساواة أمام القانون رئيس ومرؤوس – بصيغة أكثر وضوحاً: دستور مرتكزه إنسانية الإنسان.
6 - النص الدستوري الصريح على تجريم وعقاب رادع لكل من ينتهك حقوق الإنسان.
7 - السعي لإقامة قضاء مستقل صادر عن منتدى قضائي يُرشح ويعين ويُعزل ويحاسب ويُثاب.. وربط وزارة العدل بالبرلمان، لا برئاسة الجمهورية.
8 - النص الدستوري على إقامة الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان تابعة للبرلمان، مدعومة حكومياً، منتخبة شعبياً، تخضع قيادتها للتدوير كل عامين.
9 - النص دستورياً على إعطاء الشعب حق الرقابة على السلطات – تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...فهذا صمام أمان المجتمع.
10 - ترسيخ التعددية والتداول السلمي للسلطة، ورفض الوصول إلى السلطة بطريقة التغلب أياً كان نوع التغلب وشكله.
11 - تحييد الجيش كمؤسسة وطنية وتدوير قياداته خلال فترة قصيرة.
12 - نظام حكم رئاسي برلماني – بصلاحيات أوسع للبرلمان، وأقل صلاحيات للرئيس.
13 - التطبيق الفوري للديمقراطية اللامركزية – أو الحكم المحلي الكامل الصلاحيات وذلك بعد قيام حكومة (2014م).
14 - إلزام الدولة والحكومة بتبني منهج تثقيفي للشعب يصل الشعب من خلاله إلى الثقافة الكبرى: حرية، تعددية، قبول بالآخر، بناء وطن، عناية بالإنسان، قيم وطنية، تعاون.
15 - تحويل الإعلام إلى هيئة شعبية، وتكتفي الحكومة بوسائل ثلاث فقط، قناة فضائية، إذاعة، صحيفة، مركزياً، وإعطاء البقية للشعب، ذلك أن الإنفاق على الإعلام مرهق للخزينة.
16 - الإسراع بإنقاذ التعليم الجامعي بتبني منهج علمي تثقيفي يصل بالعقلية الجامعية إلى ملكة النقد، وإلغاء قانون تقديس المدرس الجامعي، فهذا له خطورة بالغة على عقلية الطالب، يلي ذلك العناية بالتعليم عموماً، وتحول الإنفاق على وسائل الإعلام الرسمية إلى دعم القنوات التعليمية أو جعلها جامعات مفتوحة.
سدد الله رؤانا، وحفظ بنا يمننا الحبيب.
رابط المقال على الفيس بوك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.