الذين استهلك الرئيس السابق طاقاتهم واستنفد شبابهم في خدمته خلال سنوات حكمه الطويلة ، اصبحوا أطلالاً مسكونة بالذكريات خالية من القدرة العقلية والجسدية على الاستمرار في الحاضر أو الامتداد الى المستقبل بأي شكل أو قدر من صور البقاء أو الامتداد سوى الصورة التي كانوا عليها في العهد القديم. هذه الاطلال سواء كانت اشخاصاً أم هيئات، لا تعرف أو تتقن سوى ما قدمته في ماضيها لخدمة النظام السابق ، وحراسة مفاسده وإفساده، والتغيير الوحيد الذي تقدر عليه ، وهو متاح لها بالقول والفعل ، هو الانسحاب من المشهد والاكتفاء بالاعتذار عن ماضيها واستجرار ذكرياته وما أثقل مفاتيحها من غنائمه ، ولا حاجة لأحد هنا أن يستشهد في تفنيده هذا القول بالمأثور في هذا النص «خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام» لأننا لم ننتقل من دين الى آخر، ولم يكن في عهد الرئيس السابق خيار أو خيار. ومن هذه الاطلال ، خرجت اجيال على شاكلتها، تسعى للاحتفاظ بما كان عليه الآباء في العهد القديم والابقاء على مصالحها فيه و منه في الحاضر والمستقبل ، بعد ان أخرجها النظام القديم الى موقع التصادم معه بسبب محاولته الخصم من مواقعها ومصالحها لصالح جيل من محيطه الاسري يتطلع الى حظه من الاستحواذ بالسلطة والاستئثار بالثروة ولئن سمحت الانتفاضة الشعبية للأطلال والأجيال أن تتخلص من خصم قديم ، فإن ذلك لا يعني الإبقاء على ما كان ، والاكتفاء بما تغير من النظام السابق ، فالشعب يريد اسقاط الاستحواذ والاستفراد وتغيير نظام الاقصاء والاستبعاد ، والتحول نحو الشراكة والمشاركة. لم يعد ممكناً ولا متاحاً للأطلال المتبقية من العهد القديم أشخاصاً كانت أم افكاراً أم أفرادا وهيئات ، ولا حتى للأجيال الوارثة منها ، الاحتفاظ بما كان قائماً والانتقاص من الانتقال الى ما ينبغي ان يكون ، والانتفاضة الشعبية خير دليل على ذلك،لأن النظام القديم ضاق حتى على ركائزه وعجز على استيعاب عصبياته ، فانتفض الشعب لإسقاطه وطمح الى تغييره الى نظام وطني جامع للأرض والإنسان بالحق والعدل في دولة للشعب لا للفرد والعصبيات. ربما انخدع اجيال الاطلال القديمة أو ما تبقى منها بالتغيير الذي تحقق في هرم سلطة الحكم، فتناسوا جماهير الانتفاضة متوهمين قدرتهم على التغيير ومتجاهلين الارادة الشعبية المدفوعة بوطنيتها بعيداً عن المساحة الضيقة للفرد والقبيلة والحزب ، وهذا ما سيوقعهم في صدام مع هذه الوطنية ارضاً وشعباً ومع طموحها للتغيير الجذري الشامل . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك