لا أنكر أن لدي موقفاً ضد الإسلام السياسي، ضد تكديس العالم والحياة في استخدامات دينية تتحايل لمصلحة فساد وطغيان نخب الدين والسياسة والمال.. عندما تحولت روما دولة القانون، إلى بيزنطة دولة الدين، بدأ عصر الانحطاط الروماني والتحلل.. بالتأكيد هناك أسباب أخرى للإنحلال، لكن لست بصدد كتابة بحث تاريخي.. حتى عندما بدأت تتشكل قناعات لدى كثيرين بحدوث اعتدال في خطاب الإسلام السياسي، أي خطاب الإخوان وممثليهم في اليمن الاصلاح، كنت دائماً أعلن تشككي، وكنت أبدو متطرفاً في قناعاتي. من منا لا يحمل بذور التطرف في بعض قناعاته، خصوصاً إذا بدت أنها عصية على التزحزح، مع ذلك، لست منكراً لوجود تغييرات في حركة الإخوان وفي خطابها، لكن البعض انبهر بقشور التغير، مثلاً صارت هناك واجهة سياسية، قيادات ترتدي ربطات عنق، يمكن لصحفي إخواني أو إصلاحي حلاقة ذقنه أو شاربه، يظهر القرضاوي ويقدم فتاوى ساذجة، فيقول الناس إنه شخص معتدل. وهذا الاعتدال لم يكن إلا مظهرياً وسطحياً. في الواقع ما حدث من تغير في الحركة، حرك انفصاماً في تركيبة الجماعات الدينية. فهي تحاول أن تبدو متماشية مع تغيرات العصر، والزمن، وفي الوقت نفسه تحاول المحافظة على الترسبات الاصولية بكل أثقالها، وكما في اليمن، هناك تيار سياسي مؤدلج، وهناك راديكاليون كالحزمي والزنداني وجامعة الايمان، وهناك ايضاً جيش وميليشيات.. تركيبة متناقضة وتتناقض مع شكل الدولة. ما حدث في مصر، أن الإخوان صعدوا للحكم، وأرادوا في عام واحد الحكم من خارج أجهزة الدولة، كما تجاهلوا كل المكونات الأخرى في الشعب المصري، وبدوا اليوم أمام موجة شعبية عارمة وحيدين وبلا أجهزة دولة. قبل أشهر، أحد اليمنيين الذين زاروا القاهرة سأل سائق تاكسي: من انتخبت؟ فاجاب السائق: اضربني بالجزمة.. انتخبت مرسي.. خلال أقل من عام عادى الإخوان كل الشعب.. إشكالية التطرف والراديكاليات، أنها لا تنظر خارج نفسها، لكن واحدة من حكايات السقوط الكبرى أيضاً نراها في قناة الجزيرة. حدث مهم في الانتفاضات العربية، هو سقوط قناة الجزيرة، التي كشفت عن حالة خلل في الخطاب السياسي الذي أنتجته أنظمة منغلقة وخائفة من الحرية. فجوة استطاعت أن تمر منها الجزيرة بخطابها الهائج وغير الواقعي، وبنت أوهام حياديتها على شكوك العربي من أنظمة حرمت عليه الكلام، وإرادت ان تسد آذانه.. كانت الوهم الوحيد الذي وجده العربي حرية، لم يفرق العربي بين الحرية وبين الانفعال، بين الثورة وتعدد الآراء.. بين حدود التفكير وقسوة التحريض، لكن الجزيرة سقطت في وهم لعبتها، واعتقدت أن بإمكانها إعادة صياغة العقل العربي ومشاعره، لم تتعرف على حقيقتها، انه في لعبة الصورة يمكن للوهم التلاشي، فالآخرون يبحثون عن الصورة وكل خطاب يكون التحاقاً. قلت في صفحتي على الفيس بوك، إن على أنصار الإخوان الاطمئنان، فبينما ميدان التحرير يهتف لمصر، يدعو الإخوان الله، وقوة الله لا غالب لها.. هناك يغنون لمصر، وفي رابعة يتوكلون. والغالب هو الله.. وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. هل المعركة من اجل مصر أم من أجل الله؟ هل من أجل اطعام الجياع وتوفير المصالح العامة أم من أجل الصلاة وراء المرشد. هل من أجل بناء دولة تضمن للشعب حياة حرة كريمة، أم من أجل الآخرة، و «إنما الحياة الدنيا لعب ولهو».. شعار الاخوان الحقيقي اتركوا لنا الدنيا نلعب بها، وسنعطيكم الحياة الأخرى.. سنعطيكم الشهادة ولنا الأمر والنهي. الإخوان يقدمون أكبر تضحية للانسان المسلم، وبالتحديد بارونات المال والنفوذ لديهم، فهم يوفرون المال في جحورهم، لأن المال يفسد على الانسان ذكر ربه.. في اليمن يبيع حميد براميل النفط، من أجل اليمني الغلبان لا يتوسخ بالمال وتفسد علاقته بربه.. قديس الزمان من يرضى لنفسه الحياة الدنيا لتكون الجنة من حق إخوانه وأبناء أمته.. هي حكمة الجماعات الدينية عندما تحكم. مشروع الإخوان في اليمن حماية الفاسدين، ناهبي الأراضي والنفط وناهبي كل شيء حتى أحلامنا؛ مصاصي الدماء. بالنسبة لأصحاب الاسلام السياسي، سواء كان الإصلاح أو أنصار الله، فإن طاعة الله، تعني الموت في سبيل أن يحكموا ويستولوا على مصادر المال والحياة. قبل أن تكون عبداً لله، عليك أولاً ان تكون عبداً للسيد أو الشيخ. لكن سقوط الإخوان سيكون سقوطاً للخطاب بأكمله، الخطاب الذي انتعش منذ السبعينيات مع صعود الخميني والجهاد الافغاني. لن يكون سقوطاً مباشراً، بل سيحتاج لبعض الوقت.. في اليمن، إشكاليتنا تكمن في عدم وجود اسس دولة، لذا علينا أولاً أن ندعم استراتيجية إعادة بناء الجيش. أنا أعرف الاصلاح والحوثيين ليس من مصلحتهم هيكلة الجيش على اسس وطنية، ليس من مصلحتهم الدولة الوطنية، لكن أليس من حقنا أن نستعيد هوية الدولة، وندعم الرئيس التوافقي، بوجود حكومة تكنوقراط حقيقية، وليست تقاسمات تتفشى في كل أجهزة الدولة.. في اليمن، الناس ايضاً حانقين على الإخوان كما مصر، لكن يعرفون أن لديهم جيشاً وسيسعون لإثارة حرب، عبر تحالفاتهم القبلية ومجاهديهم.. مع ذلك نحن نعرف أن اليمن سوف ينتصر وإن احتاج بعض الوقت. رابط المقال على الفيس بوك