قال لي أحد الصحفيين: إن فكرة الموضوع الذي ينوي كتابته في إحدى الصحف أو في موقعه الإلكتروني ويريد مني تذكيره بها أو بعنوانها، فاستغربت إلى درجة الظن بأنه ربما دخل عالماً آخر حديثاً أو أنه أصيب بمرض النسيان المعروف بالزهايمر، بينما هو شاب لايتجاوز الأربعين عاماً. فأنا لم ألتق به إلا في تلك اللحظة ولم يسبق أن تناقشنا وفي أي مكان في أي أمر على غرار ما يجري بيننا، ويكون هو البادئ في توجيه الأسئلة إليّ عن أمور كثيرة وخاصة في السنوات القليلة الماضية، وأسئلته المعتادة عن الانفلات الأخلاقي الذي أصاب الجميع وبدون استثناء بما في ذلك عامة الناس الذين لا أو لم يعرفوا السياسة ولا ينتمون إلى أحزاب وتكتلات قبلية مثل بقية القبائل التي اندمجت في السياسة من بوابة حماية مصالحها الواسعة ونفوذها، وقد فكرت في عدة عناوين لموضوعه الذي قلت بأنه لم يقل لي عن فحواه لعله يستجمع قواه الذهنية، فيبدأ بالكتابة أو تدوين العنوان في ورقة صغيرة يضعها في جيب كوته أو شاشة تلفونه السيار، ثم يخرجها في البيت ويسل قلمه النحرير، ويفاجئ القراء بما استجد من معلوماته حول ما يجري في اليمن أو في مصر أو في سوريا وكذلك العراق وليبيا ولبنان. وبعد أيام قليلة سمعنا صوتاً يناديني باسمي في جولة من جولات المدينة فتوقفت أبحث عنه - أي عن مصدر الصوت - فإذا به يربّت على كتفي ويقول: أنا الذي صحت باسمك، وأخرج صورة لموضوعه الذي اختار له عنواناً من العناوين التي اقتبستها من واقع الحال الذي يمثله بارتباكه وتوهانه، بحيث كلما اختار عنواناً طارت الفكرة كما سماها؛ لكثرة الأشياء التي تحدث في كل لحظة أينما ذهب الإنسان أو جال بنظره إلى أقرب مسافة ومن الجهات الأربع.. فأسرع ما يحصل عليه ليدون فكرته هو شجار بين بائع ومشتر على سلعة غذائية من التي تعرض فوق عربات اليد ولتكن البلس الشوكي المتوفر هذه الأيام بكثرة، وقد كنت أشعر بالخوف على البائع الشاب من شاب آخر أجزم أنه في أوج جنونه، وكان يحمل خنجراً في خاصره وبشعر منكوش لم يعرف الاستحمام طيلة شهر أو أكثر والعرق يتصبب من جبهته إلى ذقنه ورقبته؛ لأنه يريد البلس وليس معه فلوس، والبائع يرفض ويقول: خيرة الله عليك خليني أشقي على جهالي، ولولا ظهور شخص أعرفه أنا وهو بدوره يعرف الشاب المجنون كما أخبرني بذلك فيما يبدو أخذ كيساً صغيراً فيه خمس عشرة حبة بلس ووضعه في يد الشاب المجنون، وبمبلغ مائة وخمسين ريالاً فذهب الشاب المجنون بسرعة، وفرح البائع بزوال الخطر. وقد أجبرني على قراءة المقال تحت حر الشمس الشديد، ولم يصدق بأنني أقرأه سطراً سطراً إلا عندما ناقشني حول الأسلوب، وطلب رأيي فقلت له: الموضوع جيد، وما قيمة رأيي مادام قد نشر واسأل بقية القراء إن كنت تريد معرفة رأسهم من باب الاستفادة في المواضيع القادمة، راجياً أن تكون الفكرة قد عادت وحطت في مكانها الصحيح وألا تطير مرة أخرى بين الزحمة..!