في كثير من الأوقات نحتار فيما نكتب ، فلا ندري من أين نبدأ وأين ننتهي ؟ فكل ما نشكو منه مُهم ويبدو على غاية من الأهمية وبنحو يصعب فيه الممايزة أو التقدير بالأولوية لهذه المُشكلة أو تلك ، والذاكرة بما منحها الله من القدرة في أرشفة المشاهد تُجبرك على الرضوخ لتتّبُع ما تبث لك من الصور وبخاصة تلك التي يستحثّك الضمير على تدوينها بشكل سطور ،. غير أن تزاحم الصور في شاشة الذاكرة وتتالي العرض القسري للمشاهد المحزنة على وجه التحديد يُربك عزمنا أحياناً جراء الارتجاج الذي يحدث في المخيلة فنُنحي اليراع جانباً ونستغرق في الذهول بعض الوقت حتى نتماسك فنعاود الكرّة في الكتابة فنكتب ما تيسر فيبدو بعض الكلام الذي نُدونه ذات أهمية لدى القارئ المُتأنِّي والمتوجِّع كثيراً من هذا الواقع السيِّء جداً، فيما القارئ المُتعجّل بالكاد يصطبر على قراءة العنوان وتراه يصدر أحكامه في حق موضوع لم يقرأ منه إلا العنوان لا أكثر ! .
فكيف ممكن عزيزي القارئ توصيل فكرة أو رسالة لك وأنت لا تتقبل أكثر من قراءة العنوان ! . ثم كيف لك أن تَستعْتب الآخرين من المحترفين للكتابة بأنهم مُقصّرين ولم يشبعوا رغباتك فيما أنت لا تلتهم من مواضيعهم إلا عناوينها ! فهل معقول أن نُوجز فحوى موضوع يتعدّى الصفحة بعنوانه ؟! . لا أخفي عليكم إنني صُدمت كثيراً عندما وجدت البعض من الأعزاء القراء وهو يسقط جام غضبه على فلان من الكتاب لأن موضوعه المعنون (..... ) سيّء للغاية كما يقول !.
ولأنني مُطّلع على ذات الموضوع الذي يقصدُه ولأنه جيد كما أراه شخصياً فأني استعجلته بطرح السؤال : أين وجه السوء في مقال هذا الفلان ؟ فيجيب متلعثماً : ( أنا لم أقرأ الموضوع ولكن فهمت من عنوانه بأنه سيء ) !! فقلت له : ياعزيزي أنت ظالم في حُكمك هذا، وحالك بهذا المنطق كشاهد الزور لأنك لم تطّلع على فحوى الموضوع والذي كُنت شخصياً قد أطّلعت عليه ورأيت فيه تناولاً لمشاكل إنسانية عبّر فيها الكاتب عن حيرته في تعاطي الناس معها وأردف بأسفه الشديد أن أناس كُثر يكتفون بمطالعة العناوين مُتجاوزين ما يتوجب مطالعته وكأن الموضوع هو العنوان والعنوان هو الموضوع ! فتغيب الحقائق تحت هذا الظن الخاطئ .
وصحيح أن العناوين تكون أحيانا مثيرة وملفته ومستوحاه من مضمون الموضوع لكن من ذا الذي يستطيع إيجاز موضوع يتعدى الصفحة بثلاث مفردات ؟! . يمكن لنا في حالة الخبر أن نتعرّف في بعض الحالات من عنوانه على مضمونه ، ولكن الخبر أساساً لا يكون متكاملاً إلا بتوافُر عناصره الخمسة المُتعارف عليها ، وهذا شأن آخر لا علاقة له بسالف موضوعي هذا .