تتمتع بلادنا بأدنى معدلات الطاقة الكهربائية في المنطقة كلها، إذ لا يعدو ما تمتلكه اليمن من الطاقة الكهربائية 700 ميغا وات ، مقارنة بدول أخرى قرينة المستوى المعيشي والاقتصادي بل وأشد تخلفاً . إضافة إلى أنها لا تعمل بشكل صحيح ومنتظم وذلك كونها تعاني من مشاكل عدة في بنيتها التركيبية وإلى عوامل خارجية أخرى . فيا ترى ما هو جوهر المشكلة ؟ وما أسبابها ؟ ومن المسئول عن ذلك ؟ وإلى أي مدى تكون مسئولية الدولة تجاهها ؟ دعونا سوياً لنسبر أغوار المشكلة لنجيب عن تلك الأسئلة .. تشكل الطاقة الكهربائية أهم المصادر الحيوية للدولة والعنصر الأساسي للتنمية الاقتصادية , وتولد الطاقة في اليمن العديد من المحطات المنتشرة في عدة محافظات , وأهم تلك المحطات مأرب الغازية , المخا , الحسوة , ورأس كثيب , وأكثر المحطات توليداً للطاقة هي محطة مأرب التي تغطي قرابة النصف من نسبة الطاقة المولدة . ولكن , نظراً للموقع الجغرافي الصعب حيث الطريق الغير معبدة , والتواجد القبلي الكثيف ومع غياب ملحوظ لسلطة الأجهزة المعنية , يظل الاعتماد عليها ضعيفاً لكونها صارت هدفاً للابتزازات السياسية بالاعتداءات المتكررة عليها بالتفجير والتخريب منذ منتصف العام 2011م إبان اندلاع الثورة الشعبية على النظام السياسي , فأصبحت وسيلة لتهديد مصالح الشعب كورقة سياسية لمحاولة إثبات الأحقية في الحكم. وفي ظل نقص الطاقة المطلوبة يؤكد خبراء مقدرة استغلال المحطة لتوليد طاقة أكبر لما تتمتع به مأرب من مخزون غازي كبير , ولكن وعورة الجغرافيا والانتشار القبلي يحول دون إمكانية الاستفادة منها لتغطية النقص الحاصل . كما أن منظومة الكهرباء برمتها تتهالك وتتضاءل فاعليتها فترة بعد أخرى , فقد مرت عليها سنين مديدة ولم يجرَ عليها أي تحديث أو تطوير أو حتى صيانة لمولداتها وخطوطها وأبراجها , وهذا طبيعياً يؤدي إلى تناقص عمرها الافتراضي الذي يؤشر بالانتهاء قريباً إن لم تجرَ عمليات الإنقاذ السريع، علاوة على العشوائية الملحوظة في طرق الإمداد والتوزيع العشوائي للطاقة فنجد مناطق صغيرة تعطى قدراً أكبر من حاجتها . وكمثال على ذلك , محطة حزيز التي صارت حكراً على منطقة سنحان نظراً لصلتها القرابية بالرئيس السابق , وتولد تقريباً 45 ميغا وات من الطاقة التي بمقدورها إيقاف مسلسل الانطفاءات المتكررة في مدينة الحديدة أشد المحافظات حرارة . ولغياب الاستراتيجيات الرامية لتنمية وتطوير الكهرباء وعدم إفساح المجال للقطاع الخاص لتوليد وبيع الطاقة على المواطنين دور كبير في تعثر دورها وواجبها تجاه الشعب . وأكثر هذه الأسباب حضوراً وتداولاً بين الجميع حكومة وشعباً الاعتداءات المتكررة والمستمرة على خطوط وأبراج الكهرباء في محطة مأرب من قبل المعتدين المحروسين بهيلمان القبيلة فقط , والذين نالوا حظاً وافراً من التهويل والتعظيم دون حصوله على شيء من الواقعية , وهم ليسوا سوى مجرمين مأجورين من جهات لها مصلحة في ذلك , ويلقون حماية من بعض القبائل مهترئة القيم ومفتقرة للمبادئ القبلية المثالية كقبيلة الجدعان وغيرها . مما يجسد عجز الجهات المختصة إزاء حماية الأبراج الكهربائية رغم التواجد الكثيف لعناصر القوات المسلحة حيث التسعة الألوية !! ومرد ذلك عدم وجود نظام حماية قوي للأبراج مع تراجع كبير في هيبة الدولة العاجزة عن السيطرة على لفيف من المرتزقة وقليل من القبائل التي لو قوبلت بقليل من الردع لكفت عن عمليات التخريب واحتضان المخربين , ولا أقصد كل القبائل فهناك قبائل متمسكة بقيمها وأخلاقها تستنكر مثل هذه التجاوزات , ولكنها شرذمة قبلية مأجورة لحساب أشخاص مجرمين ربطت بينهم مصالح مشتركة وهي تقوم بمهمتها الإجرامية . في المقابل , ولأن الكهرباء تعتبر المصدر الحيوي الهام لتلبية حاجات المواطنين والفاعل الرئيسي في سير عجلة التنمية , فإن الاختلالات والانطفاءات الكهربائية لها انعكاسات سلبية وآثار جمة على المواطن اليمني فمنهم المريض بحاجة إلى علاج مستمر المعتمد على الكهرباء , ومنهم الطالب المحتاج لأضواء المصابيح بدلاً عن فتات الشموع لكي يذاكر وينجح , وفيهم المنتج لما يحتاجه الناس ... الخ , وكل فئات الشعب وأطيافه بحاجة إلى استقرار الكهرباء ليقضوا مآربهم ويعيشوا حياة هانئة . سأسرد ما يمكنني سرده من مقترحات حلول أراها ناجعة لإصلاح الوضع المأساوي للطاقة الكهربائية آملاً أن تؤخذ بعين الاعتبار والجدية وتقابل بشيء من الاهتمام من الجهات المسئولة عن هذا الأمر . أولاً : على وزارة الكهرباء إعداد مشروعات واستراتيجيات لتحسين وضع الكهرباء وتقديمها إلى الحكومة وعلى الأخيرة تبني تلك المشروعات والعمل على سرعة تنفيذها بالشكل المرضي , كما أن عليها تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجال الطاقة لتخفيف العبء على القطاع العام ومساعدته في معالجة المشكلة . ثانياً : التوزيع العادل للطاقة دون محاباة لأي فئة وتركيزها على المناطق الأكثر نفعاً للمواطن والملبية لحاجاته . ثالثاً : إنشاء نظام حماية إلكتروني عبر التعاقد مع شركات متخصصة لتسهيل مهمة الحماية العسكرية والضرب بيد من حديد على أي معتد أو قبيلة تشارك في التخريب بشتى الوسائل والأساليب , ذلك سيوفر كثيراً من المليارات التي تنفق في مجال الإصلاحات الفنية . وأخيراً , لا زلت آمل خيراً في جهود الحكومة لحل هذه المشكلة رغم تعدد المهام وتكالب الضغوط ووزن الموروث الثقيل . فقد بدأت تسعى لشراء طاقة بحجم 4000 ميغا وات من جمهورية أثيوبيا الشقيقة وترجو الحصول عليها بسعر مناسب . ويبدو أن قدر اليمنيين دائماً هو الصبر الطويل حتى يأتي الفرج إن شاء الله ! رابط المقال على الفيس بوك