الشعوب هم الأكثر حباً لأوطانهم رغم أنهم الأكثر حرماناً من خيراته يفتدونه بأرواحهم وهم فيه تحت خط الفقر . كل يوم ودول الربيع العربي حبلى بأجنته الغريبة وها هي مواليده المشوهة ، و الأكثر قبحاً فيهم هو جنين شق الصف بين أبناء الوطن الواحد ، أحمرت مياه نهر الفرات ودجلة والنيل وفاضت منها الدماء المسفوحة لتفوح رائحة الجثث معلنة ميلاد عصر ديناصوري البقاء فيه للقوي . لستُ ناقمة على من أسقطوا الأنظمة في دول الربيع الأحمر لأن تلك الأنظمة لم تكن ملائكية ومثالية ولكنني كنت على يقين أن الربيع لن يمر بسلام حسب مخططات الغرب . وها هي مصر تأخذ حصتها من العنف والدماء رغم أنها نجت في ثورتها الأولى لتتصدر المشهد اليوم ، فيُشَعَل فتيل الحرب الأهلية بين أبنائها ، الذين تغنوا بالأمس وبحت حناجرهم بإسقاط الأنظمة وبأن لا شرعية إلا شرعية الشعب، ها هم اليوم يعودون لتلك الشعارات التي كان أنصار الأنظمة الساقطة يرددونها شرعية الصندوق مفارقات لم أجدها إلا في هذا الربيع الهالك لأبطاله ، لماذا تتغير شعاراتهم حسب اقتضاء مصالحهم ، لماذا تتلاشى تلك المبادئ وتتطاير عليهم ، ليفقدوا يوماً وراء يوم مصداقيتهم ، ولماذا الذين ثاروا بالأمس على أنظمتهم الفاسدة والمستبدة يكررون نهجهم بل بشكل أكبر . كان رئيس الثورة المصرية عندما يطل بخطاباته على شعبه أعلم لمجرد كلماته الأولى أن ثمة كارثة سترد عليه من قبل ملايين المصريين المثقفين الذين لن يحتملوا كم الحقد والغضب والتجريح والإقصاء والتعدي على السلطات الأخرى التشريعية والقضائية وكذا الإعلام بل والجيش. وها هو حدس كل الملايين التي كانت تظل قابعة لخطاب الرئيس مرسي ، تحقق الحدس وثار الشعب في أكبر تظاهرات عرفتها الشعوب العربية ، ليعلم ممولو الربيع العبري ورواده أن الأمر خرج عن السيطرة ، فالشعب فهم اللعبة وعرف الطريق والميادين ستحتضنهم كلما أمعن النظام في التزمت والظلم والقهر ، شباب الأمس الذين رفضوا حكم العسكر اليوم يهتفون لهم ، ليطل الجيش المصري اليوم لسان حال الشعب الذي لن يسمح لأي كان أن يقهره ، هكذا تسير الأمور وكل يشرب من كأس أعده بالأمس لمعارضه ، في معركة الكل يعد لها ليظفر بالحكم والسلطة. ربما زدت يقيناً أن الأمر لم يكن إلا أن المحرومين من السلطة أججوا الشعوب ولعبوا على جراحهم كي يستخدموا أثرها ورقة رابحة لتقدمهم للحكم ثواراً وأبطالاً ، ناهيك عن تبخر أحلام المقهورين والمعدمين الشاخصة اتجاه الغد الواعد الذي سيروي ظمأهم وسيسد جوعهم ، تبددت الآمال ولم يتغير في الواقع سوى وجوه ارتدت أقنعة سقطت لتكشر عن أنيابها فاتكة بكل من أوصلها لعرش الحكم. لهذا كله تسونامي هذا الربيع سيجتث بقايا آمال الشعوب المطحونة وقتاً ما ليستعيدوا حرياتهم وحقوقهم وبطولاتهم المسروقة ، فثم ثورات شعبية ليست ممولة ستنفجر كما في مصر الأبية مصدرة الثورات للشعوب . شظايا روح : هل سيأتي يومٌ نحلق في سماء الحرية ، ونصرخ في وجوه الطغاة دون أن ترتعد في حناجرنا الكلمات ، هل سيأتي يوم تعطي الشعوب لهم كرتاً أحمر ؛ ليغادروا بطولة دوري الإجرام هذا العام.؟ رابط المقال على الفيس بوك