أصبح واضحاً أن هناك توجهات حزبية ومذهبية للسيطرة على المساجد وتحويلها إلى منابر لترويج أفكار مذهبية وطائفية وحزبية لا علاقة لها بتعاليم الدين ووحدة الأمة. إن ما يجري اليوم هو تأصيل لصراع مذهبي قادم يتم التحضير له من قبل جماعات دينية تحاول الهيمنة على دور العبادة لنشر أفكارها المتطرّفة وتحويلها إلى مراكز لتخريج الفكر المتطرف الرافض للآخر!. الصراع الذي نشب في أكثر من جامع بأمانة العاصمة وقيام وزارة الداخلية بإغلاق تلك الجوامع يؤكد غياب دور وزارة الأوقاف وعدم قدرتها على تجنيب المساجد الصراع المذهبي والطائفي وحل الإشكالات المتعددة التي برزت وقد تمتد إلى مساجد كثيرة سواء في أمانة العاصمة أم غيرها من المحافظات. وزارة الأوقاف المعنية بالإشراف على مختلف المساجد في الجمهورية تركت المجال مفتوحاً للهيمنة والسيطرة على منابر المساجد للجماعات الدينية المختلفة سواء التي تمثّل تيار الإسلام السياسي أم الجماعات الأخرى ذات التوجهات المتطرفة وذات الخطاب المذهبي والطائفي. الوزارة التي يتعيّن عليها أن تحافظ على وسطية المنابر وحماية رسالة المسجد من العبث والانحراف نحو الدعوات الحزبية والمذهبية والطائفية التي لا تخدم مصلحة المجتمع ووحدة أبناء الشعب والدين الواحد؛ غابت كليةً عن مهامها ومسؤولياتها التي ينبغي أن تقوم بها بدءاً من الإشراف على الجوامع ومروراً بتعيين الخطباء والقائمين على تلك الجوامع وانتهاء بالخطاب الديني الوسطي الذي لم يعد له وجود؛ وحلّ محله الخطاب التحريضي والمذهبي والحزبي؛ وكأن المساجد قد أصبحت تابعة للجمعيات والأحزاب والجماعات الدينية وليست لله. أين وزارة الأوقاف والإرشاد مما يجري، وهل إغلاق هذا الجامع أو ذاك هو الحل الأسلم لتفادي الصراعات المذهبية والطائفية المتأججة، ولماذا لا يتم تفعيل الضوابط لإبقاء المسجد دار عبادة وليس ساحة صراع أو مكاناً للخلاف ونشر الأفكار المتطرّفة التي لا تخدم الدين ولا تخدم الأمة؟!. تشتُّت الخطاب الديني يضعف قيمة الدين في نفوس الناس، وهذا التشتُّت قد يؤدّي بالناس إلى الابتعاد عن الدين كلية وهجر المساجد وهم يشاهدون ضياع الحقيقة ما بين منبر وآخر. ولا شك أن مسؤولية تهذيب الخطاب الديني تقع على وزارة الأوقاف والإرشاد باعتبارها الجهة الوحيدة المسؤولة عن هذه الرسالة، ومن هنا يتعيّن عليها وضع معايير للخطاب الديني وخطة وسطية يلتزم بها جميع الخطباء والمرشدين أثناء القيام بواجبهم الدعوي كي لا نفيق ذات صباح وقد تحوّلت بيوت الله إلى إقطاعيات خاصة بالجماعات الدينية السياسية والمذهبية والطائفية. ما يحدث اليوم في بعض المساجد بأمانة العاصمة وبعض المحافظات هو استنساخ لما يحدث في العراق وفي أكثر من دولة عربية وإسلامية، وما نخشاه هو أن يتفاقم هذا الصراع ويتحوّل إلى مواجهات منظمة تتمترس خلف الدين بلافتات طائفية ومذهبية أو حزبية وسياسية. فهل تستشعر وزارة الأوقاف وعلماء الدين مسؤولياتهم ويضعون حدّاً لهذا الصراع قبل أن يستفحل؟ّ!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك