اختلفت النخب السياسية وانقسمت، فانعكس ذلك على الشارع وانقسم المجتمع ووصل الأمر إلى الأسر، وصار الانقسام هو السمة الأبرز في المجتمعات العربية. اليوم تلوح في الأفق بوادر انقسام جديد ضمن سلسلة الانقسامات حيث وصل هذا الانقسام إلى اللاعبين الأساسيين والمحركين لعجلات الانقسام.. ذهب كل لاعب إلى جهة من الملعب وظهرت مواقف جديدة وغير متوقعة في بعض حيثياتها. انقسام اللاعبين الإقليميين سوف يضيف متاعب جديدة للمنطقة وتعقيدات أكثر للمشهد الحاصل فيها.. وفي كل الأحوال تبدو العملية برمتها شديدة الغموض في مآلاتها المحتملة وفي نتائجها وفي الأهداف الأخيرة التي يسعى محركو هذه الانقسامات للوصول إليها في النهاية. السيناريو الآن يتجه نحو مزيد من الغموض، والأحداث الجارية سوف تعيد فرز السياسات والمواقف، والمصالح أيضاً. وربما تنتج صراعات جديدة وفقاً لهذا الفرز، وتنشأ تحالفات لمواجهة تطورات الأحداث. الخلاصة الواضحة من هذه الدوامة التي تعصف بالمجتمع العربي والإسلامي، هي أن هناك ترتيبات تجري لإعادة تشكيل المنطقة جغرافياً وسياسياً ومذهبياً وتوزيع القوى ومراكزها بما يضمن مرور الأهداف دون أن ينتبه إليها المتصارعون والمنقسمون على أنفسهم.. وبحيث لا يستطيع المدركون والذين فهموا أسرار هذه اللعبة وتفاصيلها عمل شيء لمنع تلك الترتيبات من الخروج إلى حيز الواقع. الوقائع والأحداث على الأرض تشير إلى حقيقة واحدة وهي أن جميع الأطراف في المنطقة قد اختلطت عليهم الأوراق وصارت العداوة أمراً واقعاً بحكم الخلافات والانقسامات السائدة وفقاً لأسس دينية مذهبية وسياسية، وهذا الأمر مع استمراره يضفي الكثير من التهتك والضعف في جسد هذه الأمة الغارقة في صراعاتها مع بعضها البعض. هذه الأحداث نتج عنها إعادة تشكيل المفاهيم عند مختلف الأطراف، ووضع كل طرف أولويات العداوة والتحالف، وصارت العداوات الداخلية في كل قطر على حدة تشكل أولوية عند سائر الأطراف تجاه الآخرين، وكذلك الحال صارت العداوات القطرية بين العرب والمسلمين تشكل أولوية أيضاً على ما سواها من عداوات حقيقية. لم يعد هناك الكثير من الوقت لنتكشف الحقائق أكثر فالأحداث متسارعة والسياسات تتحول من أخطاء إلى خطايا مع مرور الوقت، والشرخ يتسع والثأرات الشخصية والسياسية تكثر بدورها، ولا فرق بين دولة عربية وإسلامية وغيرها من الدول التي تحمل نفس المسمى، وسيمر طوفان الخلاف والانقسام على الجميع، وحتى لا تكون النتيجة حتمية هنا لابد من وضع استثناء وهو ما لم يتنبه له الفرقاء في البلد الواحد وفي المنطقة بصفة عامة إلى حقيقة هذا المسار الكارثي الذي يسلكونه جميعاً. الحقيقة أنني صرت متشائماً بعدما وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه، وبعدما ظهرت ثقافة جديدة في الانقسام والتصنيف السياسي والمذهبي والاجتماعي أيضاً. إلى عهد قريب كنا نسمع عن شيعة وسنة، وبسرعة فائقة صار هناك انقسام داخل كل مذهب، وظهر الحديث عن إخوان وسلفيين وفرقٍ غير مسماة تحت مسمى السنة.. وهؤلاء منقسمون، وكذلك الشيعة وإن كان حالهم أفضل في مسألة العداوة لبعضهم. لم يعد أهل السنة أو المحسوبون على هذا المسمى صفاً واحداً، وقد دبت الخلافات وبدأت بينهم لغة الصراع، وبعد أن قسمتهم السياسة ومطامع السلطة فصاروا أعداءً لبعضهم. رابط المقال على الفيس بوك