بإمكان المتابع للمشهد السياسي الداخلي أن يدرك إلى أي مدى وصلت مسألة عدم الثقة بين أطراف المعادلة السياسية، وهي درجة تدفعنا للتساؤل عن إمكانية التعايش بين تلك الأطراف، وتعايش مكونات أخرى مع بعضها خارج تلك المعادلة ومع أطراف ضمنها. الحاضر الأقوى في علاقة تلك الأطراف هو الحقد والعداوة والكراهية والتربص السيء، وهذا الأمر يبعث على القلق والخوف ويفتح أبواباً واسعة للتشاؤم مما تحمله الأيام القادمة في طياتها استناداً على تلك العلاقة وعلى الظاهر من العداوة وانعدام الثقة. هذا الوضع سوف يعقد قضية التحاور والحوار وسيضع الكثير من العراقيل أمام المتحاورين، وأمام الحلول المفترضة من الحوار، ولعل الزمن المطلوب لا إنجاز الحوار هو أيضاً سيواجه مشكلة عنوانها ضغط الوقت ومصيرية الحلول والمخرجات، والأمر غير قابل للسلق المستعجل، لأن الفجوة كبيرة والخلافات كثيرة والتناقضات بلا حدود، وكل ذلك يرجع في الأساس إلى مايبدو من عداوة وكراهية ونفور بين الأطراف الذاهبة إلى مائدة الحوار، ولا شيء يدل على سهولة المهمة على ضوء الشواهد الظاهرة للعيان. لا يمكن الجمع بين إمكانية نجاح الحوار وحالة الحقد والتربص التي تفصح عن أصحابها وعن نواياهم من الحوار ومن الأطراف الأخرى. حالة العداوة والبغضاء تقود نحو المذهبية والتعصب لها، وهذا جانب واحد فقط لكنه الأسوأ بين كل الجوانب التي يمكن أن تنجم عن علاقة سياسية تقوم على الأحقاد وشخصنة الخلافات ونوايا الإقصاء والتهميش، وفي بلد كاليمن يمكن للمذهبية أن تطغي على سواها من الاعتبارات، لأن الأساس الفكري لها حاضر بقوة، والتصنيفات القائمة على المذهبية أخذت مكانها تاريخياً وجغرافياً، وقد عمل البعض على تثبيتها بصورة أو بأخرى. لفترة قصيرة حدث تراجع في الحديث عن المذهبية لكنه عاد بقوة ليتصدر المشهد ولم يقتصر هذا الأمر على اليمن، لكنه قابل للتنفيذ ولتغيير الانتماءات السياسية التي ظهرت خلال فترة تراجع المذهبية ورواج الأحزاب السياسية، لأن الخلفية الفكرية المذهبية سوف تعيد الكثير إلى مربع الانتصار للمذهب ولو على حساب الولاءات الأخرى لأنها مؤقته. الأخطر في هذا الوضع هي التحالفات القائمة على اللعب بأوراق سياسية كجزء من متطلبات الصراع الراهن.. وعندما يُدار الخلاف بطريقة خاطئة تحت ضغط الظروف ومحاولة استغلالها من قبل بعض الأطراف على النحو الذي يخدم مصالحها أو للإضرار بالآخرين للتخلص منهم، فإن النتيجة قد تكون سلبية وقد تؤدي إلى ظهور لاعبين جدد على الساحة ومراكز قوى جديدة يصعب تجاهلها فيما بعد ولعلها تصبح طرفاً في صراع قادم كان نتيجة لأخطاء وقع فيها أطراف المعادلة السياسية خلال هذه المرحلة التي يظهر فيها الاستعجال وعشوائية العمل السياسي ومحاولة استغلال المرحلة بصورة غير ممنهجة وغير منطقية. يبدو واضحاً تشكل خريطة مراكز قوى جديدة، وإن بدأ الأمر على أنه طبيعي، لكنه ليس كذلك، والسبب يرجع لحالة التشنجات والعداوة بين أطراف المعادلة السابقة التي توشك على التغيير وظهور تحالفات جديدة لم تكن ممكنة ولا ضرورة لها لولا الخلل الذي حدث وعدم إدراك عواقب العمل السياسي الخاطئ المدفوع بعصبية ورغبة في الاستحواذ والسيطرة وإقصاء الآخر.